للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحسُّ والمشاهدة تمنعه من إنكار ذلك لأنكره.

وهذه دعوى نعلم أنك تتعجب ممَّن (١) يدعيها، وتنسبه إلى المجازفة، وقلة التحصيل، والخطابة التي تليق بالعامة. وعَمْرو الله إن مدَّعيها ليعجب من إنكارك (٢) لها وتوقُّفك فيها بعد البيان.

فنقول وبالله التوفيق: انْسُبْ إلى العقل حيوانًا يرى ويسمع ويُحسُّ ويتكلم ويعمل، فغشيه أمرٌ أُلقي له كأنه خشبة لا روح فيها، وزال إحساسه وإدراكه، وتوارى عنه سمعه وبصره وعقله، بحيث لا يعلم شيئًا، فأدرك في هذه الحال من العلوم العجيبة والأمور الغائبة ما لم يدركه حال حضور ذهنه واجتماع حواسه ووفور عقله، وعلم من أمور الغيب المستقبلة ما لم يكن له دليلٌ ولا طريقٌ إلى العلم به.

وانسب إليه أيضًا حيوانًا خرج من إحليله مجَّةُ ماءٍ مستحيلةُ (٣) عن حصول الطعام والشراب كالمَخْطة، فامتزجت بمثلها في مكانٍ ضيقٍ، فأقامت هناك برهةً من الدهر، فانقلبت دمًا قد تغير لونها وشكلها وصفاتها، فأقامت كذلك مدةً، ثم انقلبت قطعة لحمٍ، فأقامت كذلك مدةً، ثم انقلبت عظامًا وأعصابًا وعروقًا وأظفارًا مختلفة الأشكال والأوضاع، وهي جماد لا إحساس لها، ثم عادت حيوانًا يتحرك ويتغذى وينقلب، ثم أقام ذلك الحيوان مدة ًطويلةً في مكانٍ لا يجد فيه متنفسًا، وهو داخل أوعية بعضها فوق بعضٍ، ثم انفتح له بابٌ ضيقٌ عن مسلك الذَّكر ـ فلا يسلكه إلَّا بضغطه


(١) «ح»: «من». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «إنكارها». والمثبت من «م».
(٣) أي: متحولة.