للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك نفى الحاجة والأكل والشرب عنه سبحانه لاستلزام ذلك عدم غناه الكامل.

وإذا كان إنما نفى عن نفسه العدم أو ما يستلزم ذلك العدم عُلم أنه أحقُّ بكل وجودٍ وثبوتٍ وكلِّ أمرٍ وجودي لا يستلزم عدمًا ولا نقصًا ولا عيبًا. وهذا هو الذي دلَّ عليه صريح العقل؛ فإنه سبحانه له الوجود الدَّائم القديم الواجب بنفسه الذي لم يستفده من غيره، ووجودُ كل موجودٍ فمفتقرٌ (١) إليه، ومتوقفٌ في تحققه عليه، والكمال وجودٌ كله، والعدم نقصٌ كله، فإن العدم كاسمه لا شيء.

فعاد النفي الصحيح إلى نفي النقائص والعيوب، ونفي المماثلة في الكمال، وعاد الأمران إلى نفي النقص، وحقيقة ذلك نفي العدم وما يستلزم العدم. فتأمَّل هل نفى القرآن والسُّنَّة عنه سبحانه سوى ذلك؟ وتأمَّل هل ينفي العقل الصحيح ـ الذي لم يفسد بشُبه هؤلاء الضُّلال الحيارى ـ غير ذلك؟ فالرُّسل جاؤوا بإثبات ما يضاده، وهو سبحانه أخبر أنه لم يكن له كفوًا أحد بعد وصفه نفسه بأنه الصمد. والصمد: السيد الذي كمل في سؤدده، ولهذا كانت العرب تُسمِّي أشرافها بهذا الاسم؛ لكثرة الصِّفات المحمودة في المسمَّى به، قال شاعرهم (٢):


(١) «م»: «مفتقر».
(٢) البيت لهند بنت مَعْبد بن نَضْلة تبكي عمَّيها عمرَو بن مسعودٍ، وخالدَ بن نَضْلة. وقد قتلهما النعمان بن المنذر اللخمي، كما في «السيرة النبوية» لابن هشامٍ (١/ ٥٧٢). ويُنسب لسبرة بن عمرو الأسدي، ينظر «الصحاح» للجوهري (٢/ ٦٥٢) و «البيان والتبيين» للجاحظ (١/ ١٨٠) و «سمط الآلي» (ص ٩٣٣).