للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن جرير (١): «{وَلَهُ اُلْمَثَلُ اُلْأَعْلَى} نحو قوله هو الأطيب والأفضل والأحسن والأجمل، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره».

قلت: المثل الأعلى يتضمن الصفة العُليا، وعلم العالمين بها، ووجودها العلمي، والخبر عنها وذكرها، وعبادة الربِّ سبحانه بواسطة العلم والمعرفة القائمة بقلوب عابديه وذاكريه.

فهاهنا أربعة أمور:

ثبوت الصِّفات العُليا لله سبحانه في نفس الأمر، عَلِمَها العِباد أو جهلوها، وهذا معنى قول من فسَّره بالصفة.

الثَّاني: وجودها في العلم (٢) والتصور. وهذا معنى قول من قال من السلف والخلف: إنه ما في قلوب عابديه وذاكريه من معرفته، وذكره ومحبته وإجلاله وتعظيمه. وهذا الذي في قلوبهم من المثل الأعلى لا يشترك فيه غيره معه، بل يختص به في قلوبهم كما اختص في ذاته. وهذا معنى قول من قال من المفسِّرين: أهل السماء يُعظِّمونه ويحبونه ويعبدونه، وأهل الأرض يُعظِّمونه ويُجلُّونه، وإن أشرك به من أشرك، وعصاه من عصاه، وجحد صفاته من جحدها، فكل أهل الأرض معظِّمون له، مجلُّون له، خاضعون لعظمته، مستكينون لعزته وجبروته، قال تعالى: {و لَّهُ مَن فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} [الروم: ٢٥] فلست تجد أحدًا من أوليائه وأعدائه إلَّا والله أكبر في صدره وأكمل وأعظم من كل ما سواه.


(١) «تفسير الطبري» (١٤/ ٢٥٨).
(٢) «ح»: «العالم». والمثبت من «م».