للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وطموسٍ من السُّبل (١)، وقد استوجب أهل الأرض أن ينزل بساحتهم العذاب، وقد نظر الجبار جلَّ جلاله إليهم، فمقتهم (٢) عربَهم وعجمهم إلَّا بقايا من أهل الكتاب، وكانت الأمم إذ ذاك ما بين مشركٍ بالرحمن، عابدٍ للأوثان، وعابدٍ للنيران، وعابدٍ للصلبان، أو عابدٍ للشمس والقمر والنجوم، كافرٍ بالله الحي القيوم، أو تائهٍ في بيداءِ ضلالتِه حيرانَ، قد استهواه الشيطان، وسدَّ عليه طريق الهدى والإيمان، فالمعروف عنده ما وافَقَ إرادته ورضاه، والمنكر ما خالف هواه، قد تخلى عنه الرحمنُ، وقارنَه الخِذلان، يسمع ويبصر بهواه لا بمولاه، ويبطش ويمشي بنفسه وشيطانِه لا بالله، فبابُ الهُدى دونه مسدود، وهو عن الوصول إلى معرفة ربِّه واتباع مرضاته مصدود، فأهل الأرض بين تائهٍ حيرانَ، وعبدٍ للدنيا فهو عليها لهفان، ومنقادٍ للشيطان، جاهلٍ أو جاحدٍ أو مشركٍ بالرحمن.

فالأرض قد غَشِيتها ظُلمةُ الكفر والشرك والجهل والعناد، وقد استولى عليها أئمة (٣) الكفر وعساكر الفساد، وقد استند كلُّ قومٍ إلى ظُلمات آرائهم، وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم، فسُوق الباطل نافقةٌ لها القيام، وسوق الحق كاسدةٌ لا تُقام، فالأرض قد صالت جيوش الباطل في أقطارها ونواحيها، وظنَّت أن تلك الدولة تدوم لها، وأنه لا مطمعَ بجند الله وحزبه فيها.

فبعث اللهُ رسولَه وأهلُ الأرض أحوجُ إلى رسالته من غيث السماء،


(١) «السبل» سقط من «ح».
(٢) «ح»: «فمنهم».
(٣) «ح»: «أمة».