للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن كلام الله ورسوله ظواهر لفظية لا تُفيد علمًا ولا يقينًا، وأن العقول عارضتها فيجب تقديم العقول عليها. وأيُّ عِوَج أعظم من عوج مخالفة العقل الصريح؟! وقد وصف الله كتابه بأنه غير ذي عوجٍ، ولا ريب أن الله هو الصادق في ذلك، وأنهم هم الكاذبون.

فإن قلت: بغى يبغي (١) يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ، فما وجه انتصاب «عِوَجًا»؟

قيل: فيه وجوهٌ:

أحدها: أنه نصب على الحال، أي: يطلبونها ذات عوجٍ، لا يطلبونها مستقيمة، والمعنى يطلبون لها العوج (٢).

الثاني: أن «عوجًا» مفعول «يبغونها» على تقدير حذف اللام، أي: يطلبون لها عوجًا، يرمونها به، ويصفونها به (٣).

وأحسن منهما أن تُضمَّن «يبغونها» إمَّا معنى يعوجونها، فيكون «عوجًا» منصوبًا على المصدر، ودلَّ فعل البغي على طلب ذلك وابتغائه. وإمَّا معنى يسومونها ويُولونها.

وعلى كل تقديرٍ فسبيل الله: هداه وكتابه الهادي للطريق الأقوم والسبيل الأقصد. فمن زعم أن في العقل ما يعارضه فقد بغاه عوجًا، ودعا إلى الصدِّ


(١) «ح»: «بغا لهما».
(٢) وهو قول الزجاج في «معاني القرآن» (٣/ ١٤٥).
(٣) ذكر هذين القولين الواحدي في «البسيط» (٥/ ٤٥٦ - ٤٦٠) ومكي بن أبي طالب في «الهداية» (٥/ ٣٧٧١) وابن عطية في «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٢٢).