للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا قال هذا الدليل: إنما قصدت بذلك أن يجتهد الحاج في معرفة الطريق بعقولهم وبحثهم ونظرهم، ولا يستدلوا بكلامي؛ فهل يكون هذا دليلًا أم قاطع طريق؟!

فهذا مثال ما يقوله هؤلاء المعطلة النُّفاة في رسل الله، الذين أرسلهم الله سبحانه إلى الخلق ليعلموهم ويهدوهم، ويدعوهم إلى الله وإلى السبيل الموصلة إليه.

فجعل هؤلاء المعطلة الجهاد في إفساد سبيل الله جهادًا في سبيله، والاجتهاد في ردِّ ما جاءت به رسله اجتهادًا في الإيمان به، والسعي في إطفاء نور الله سعيًا في إظهار نوره، والحرصَ على ألَّا يُصدق كلامه ولا تُقبل شهادته ولا تُتبع دلالته حرصًا على أن تكون كلمة الحق هي العليا، والمبالغة في طريق أهل الإشراك والتعطيل مبالغةً في طريق التوحيد الموصلة إلى سواء السبيل [ق ٨٤ ب]. فقلبوا الحقائق، وأفسدوا الطرائق، وأضلوا الخلائق، وعطَّلوا الخالق.

وإنما يعرف حقيقة هذا المثل ومطابقته للواقع من ضرب في الكتاب والسُّنَّة بسهمٍ (١)، وحصل منهما على نصيبٍ وافرٍ، واطلع على حقيقة أقوال المعطلين النُّفاة في دلائلهم ومسائلهم، ونظر إلى غايتها من خلال كلماتهم.

ومن البلية العُظمى أن كثيرًا ممَّن لهم علمٌ وفقهٌ وعبادةٌ وزُهدٌ ولسان صدقٍ في العامة، وقد ضرب في العلم والدِّين بسهمٍ؛ قد التبس عليه كثيرٌ من كلامهم، فقبله معتقدًا أنه حقٌّ، وأن أصحابه محققون! فسمع كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم والإيمان، وكلام هؤلاء وغيرهم من أهل الإلحاد،


(١) «ح»: «نسبهم». والمثبت هو الصواب.