للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدعوة النبوية، وأجلِّ ما خلق الخلق له، وأفضل ما أدركوه وحصلوه وظفروا به، وهو معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله وما يجب له ويمتنع عليه، بل إنما بيَّن لهم الأمور العملية، كانت رسالته مقصورة (١) على أدنى المقصودَينِ، فإن الرِّسالة لها مقصودان عظيمان:

أحدهما: تعريف العباد ربهم ومعبودهم بما هو عليه من الأسماء والصفات.

والثاني: محبته وطاعته والتقرب إليه.

فإذا لم يكن الرسول قد بيَّن للأمة أجلَّ المقصودَينِ وأفضلهما كانت رسالته قاصرة جدًّا، فكيف إذا أخبرهم فيه بما تحيله عقولهم وأذهانهم. وإذا كان النُّفاة المعطلة قد بيَّنوا ذلك بيانًا مُفصَّلًا يجب على كل أحدٍ اعتقاده، فحينئذٍ ما أتوا به أفضل ممَّا (٢) جاء به الرسول في القسمين، فإن النفي عندهم هو الحق، والإثبات باطلٌ. فما جاؤوا به من ذلك خيرٌ عندهم ممَّا جاء به الرسول من هذا الوجه، ومن جهة أن العلم أشرف من العمل.

ومن المعلوم أن النُّفاة المعطلة ليس فيهم أحدٌ من أئمة الإسلام ومَنْ لهم في الأمة لسان صدقٍ، وإنما أئمتهم الكبار: القرامطة والباطنية والإسماعيلية والنُّصيرية، وأمثالهم من ملاحدة الفلاسفة كابن سينا والفارابي وأمثالهما، وملاحدةِ المتصوفة القائلين بوحدة الوجود، كابن سبعين وصاحب «الفصوص» وصاحب «نظم السلوك» (٣) وأمثالهم. ثم من أئمتهم من هو أمثل من هؤلاء كأئمة الجهمية، كالجهم [ق ٨٥ ب] بن صفوان والجعد بن درهم


(١) «ح»: «مقصودة».
(٢) «ح»: «كما». والمثبت هو الصواب.
(٣) هو ابن الفارض، وقد تقدم (ص ٧٠٥ - ٧٠٦) الكلام على «نظم السلوك».