للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قدح الرازي وغيره من النُّفاة في دلالة الإجماع، وبيَّنوا أنها ظنية لا قطعية، فالقوم ليسوا قاطعين بتنزيه الله عن النقائص، بل غاية ما عندهم في ذلك الظن.

فيا للعقلاء ويا لأولي الألباب! كيف تقوم الأدلة القطعية على نفي صفات كماله، ونعوت جلاله، وعلوه على خلقه، واستوائه على عرشه، وتكلمه بالقرآن حقيقة، وتكليمه لموسى حقيقة بكلامه القائم به، ورؤية المؤمنين له بأبصارهم عيانًا من فوقهم في الجنة حتى يُدَّعى أن الأدلة السمعية الدالة على ذلك قد عارضها صريح العقل؛ وأما تنزيهه عن العيوب والنقائص فلم يقم عليه دليلٌ عقليٌّ، ولكن علمناه بالإجماع، وقد قلتم دلالته ظنية؟!

فوالله لو قال المُشبِّه المُجسِّم ـ بزعمكم ـ ما قال ما رضي لنفسه بهذا، ولكان ربُّ العالمين وقيوم السماوات والأرض أكبر في صدره وأجلَّ في قلبه من ألَّا يكون في عقله دليلٌ يُنزِّهه عن النقائص.

ولعل جاهلًا أن يقول: إنَّا قلنا عليهم ما لم يقولوا، أو استجزنا ما يستجيزونه هم من حكاية مذاهب الناس عنهم بما (١) يعتقدونه هم لازمًا (٢) لأقوالهم، فيكذبون عليهم كذبًا صريحًا، يقولون (٣): مذهب الحنابلة: أن الله يجوز أن يتكلم بشيءٍ ولا يعني به شيئًا، ومذهبهم أن الله لا يجوز أن يُرى، وأمثال ذلك ممَّا هو كذبٌ صريحٌ وفريةٌ، مستندهم [ق ٩٥ أ] فيها ما فهموه من


(١) «ح»: «فما». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «لازم».
(٣) «ح»: «لا يقولون». والمثبت هو الصواب.