للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتجدهم يشكون في أوضح الواضحات، وفيما يجزم عوام الناس به، ويتعجبون ممَّن يشك فيه، ولا تعطيك كتبهم وبحوثهم إلَّا الشك والتشكيك والحيرة والإشكالات، وكلما ازددت فيها إمعانًا ازددت حيرة وشكًّا حتى يؤول بك الأمر إلى الشك في الواضحات.

واعتبر هذا بإمام الشك والتشكيك أفضل متأخريهم (١) وكتبه تجده شاكًّا في الزمان والمكان لم يعرف حقيقته وماهيته.

وشاكٌّ (٢) في وجود الربِّ تعالى: هل هو عين ماهيته أو زائد عليها؟ وهل الوجود مقول على الواجب والممكن بالتواطؤ أو بالاشتراك اللفظي؟ وهل الوجود الواجب وجود محضٌ لا يُقارن شيئًا من الماهيات، أم وجود مقارن لماهية غير معلومة للبشر؟

وشاكٌّ في الربِّ سبحانه: هل كان معطلًا في الأزل والفعلُ ممتنعٌ عليه، ثم انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي بلا تجدد أمرٍ حصل في الفاعل كما يقوله المتكلمون، أو لم يزل فعله مقارنًا له كما يقوله الفلاسفة، وهو حائرٌ بين هذين القولين، معارضٌ أدلة كلٍّ منهما بأدلة الآخر؟ وتارةً يرجح أدلة المتكلمين في كتبه الكلامية، وتارةً يرجح أدلة الفلاسفة في كتبه الفلسفية، وتارةً يصُفُّ الجيشين ويلقي الحرب بينهما، ولا يتحيز إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما في كتبه الجامعة بين الطريقتين.


(١) يعني: الفخر الرازي.
(٢) «ح»: «شاكل». والمثبت موافق لما سيأتي سبع مرات، والجادة في المواضع الثمانية: «شاكًّا» لأنه معطوف على مفعول به.