للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمحلٍّ واحدٍ، وهذه المباينة معناها أن هذا غير هذا. وهذا القدر الذي أثبته النفاة من المباينة لا ينافي كونه حالًّا في غيره ولا حلول غيره فيه، ولا تقتضي قيامه بنفسه ولا انفصال ذاته عن ذات خلقه، بل ولا يقتضي تنزيهه عن التشبيه والتمثيل.

وأمَّا المباينة التي دلَّ عليها العقل والنقل والفطرة فأعظم من ذلك، فإنها مباينة تستلزم تفرده بصفات كماله ونعوت جلاله، وكونه أعظم من كل شيءٍ، وفوق كل شيءٍ، وعاليًا على كل شيءٍ، وأن يكون هو الأول الذي ليس قبله شيءٌ، والآخر الذي ليس بعده شيءٌ، والظاهر الذي ليس فوقه شيءٌ، والباطن الذي ليس دونه شيءٌ؛ فباين خلقه بذاته وصفاته وأفعاله وأوليته وآخريته ووجوب وجوده وامتناع عدمه وكثرة أوصافه التي ليس كمثله فيها شيءٌ. فهو العليم الذي ليس كمثله شيءٌ في علمه، البصير الذي ليس كمثله شيءٌ في بصره، القدير الذي ليس كمثله شيءٌ في قدرته، الحي القيوم الذي ليس كمثله شيءٌ في حياته وقيوميته، العلي الذي ليس كمثله شيءٌ (١) في علوه؛ بل هو منفرد بذاته وصفاته عن مماثلة مخلوقاته، فله أعظم المباينة وأجلُّها وأكملها، كما له من كل صفة كمالٍ أعظمها وأكملها. فهذه هي المباينة التي لا يليق به غيرها. فأثبت له النُّفاة المعطلة مباينة لا حقيقة لها، ولا ترجع إلى أمرٍ وجوديٍّ، بل المباينةُ التي أثبتوها من جنس مباينة العدم للوجود، والمباينةُ التي أثبتها لنفسه مباينة (٢) فوق كل مباينة.


(١) «شيء» سقط من «ح».
(٢) «ح»: «مباينته». والمثبت هو الصواب.