[ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
وبعد: المراد بتحريم الظلم: هو الأمر برد المظالم، قال الله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:١٨]، وقال تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحج:٧١].
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم).
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم.
والآيات في منع الظلم كثيرة، والأحاديث أيضاً كثيرة.
ولكن هذا للتذكرة وهذه مهنة هذا الكتاب العظيم حيث إن الأحاديث التي فيه لا يجهلها أحد، فأكثر الأحاديث يحفظها كثير منا أو قد سمعها قبل ذلك، ولكن النووي جمع بين الأحاديث في باب واحد، ليذكرنا بهذه الأحاديث.
فهو يجمع بين الأحاديث في باب واحد ويذكرنا بهذه الطريقة الجميلة، فيسرد الآيات في المسألة ويسرد الأحاديث حتى تتفكر أنت في الآيات وفي الأحاديث، وتنظر: هل الإنسان واقع في هذا الذنب الذي هو مذكور في هذا الباب؟ وقد عرفنا من القرآن أن ربنا سبحانه وتعالى حرم علينا الظلم، وعرفنا من السنة كذلك، فمن الآيات قوله سبحانه: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:١٨].
وأعظم الظلم الظلم الأكبر: وهو الشرك بالله، أو الكفر بالله سبحانه وتعالى، يلي ذلك ظلم الإنسان لغيره، وظلمه لنفسه، والظلم ظلمات يوم القيامة.
فالظالم ليس له حميم، والحميم: القريب الذي يحبه ويشفق عليه، فلن يجد له أحداً يحبه، ولا يشفق عليه يوم القيامة، يوم تجد كل إنسان يقول: نفسي نفسي! حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقولون: (نفسي نفسي! إن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله).
يقولها كل الأنبياء بلا استثناء ما عدا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهو الذي يقول: يا رب! أمتي أمتي، صلوات الله وسلامه عليه، بل إذا كان الإنسان يوم القيامة يفر من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، فكيف بالظالم؟ قال تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعارج:١١].
يتمنى أن يفتدي المجرم بابنه ويسلم هو من العذاب يقول: خذوا ابني إلى العذاب وأنا أفلت، فهنا الظالم يوم القيامة لا شيء ينفعه، كما قال سبحانه: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:١٨].
يعني: ليس لهم شفعاء، ولو فرض أن هناك شفيعاً يشفع لهذا الظالم فلن يطاع في ذلك، ولن يستجاب لهذا الشفيع في هذا الظالم، فمن يرضى لنفسه أن يكون حاله يوم القيامة أنه لا أحد يشفع له، لو شفع له أحد لقال له ربنا سبحانه وتعالى: لا تنفعه شفاعة الشافعين.
فعلى الإنسان أن ينظر ما الذي صنع هؤلاء الظلمة ويتجنبه في الدنيا قبل حساب يوم القيامة؛ لأنه: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحج:٧١]، وكذلك يقول لنا ربنا سبحانه: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً).
وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف:٧٦].
وقال تعالى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:٥٧].