قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، فالطريق الذي تلتمس فيه علم الدين؛ كأن تذهب إلى بيت الله سبحانه من أجل أن تطلب العلم الشرعي، أو تتعلم آية من كتاب الله أو حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حكماً من الأحكام الفقهية، فأنت حين تخرج من بيتك إلى بيت الله عز وجل تسير في الطريق، وتزدحم مع الناس، ويمكن أن تجلس في الطرقات طويلاً من شدة الزحام، فهذا الأمر الصعب الذي عرضت له نفسك يسهل الله لك طريقاً إلى الجنة، فطريق الجنة مملوء بالصعوبات، ولكن الله يذللها ويفتحها لك بسبب ما صنعت.
فأنت حين تطلب العلم تفرح بك الملائكة، والعالم الذي يعلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر، فطالب العلم تتواضع له الملائكة، وتضع له أجنحتها رضاً بما صنع، طالب العلم الذي يسير إلى بيت الله يطلب علم القرآن والتجويد والتفسير ويتعلم أحكام الدين تفرح به الملائكة وتتواضع له، وتفرش له طريقه بأجنحتها؛ لأنه ذاهب إلى بيت الله ليتعلم العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما صنع)، أي: ترضى بما يصنع هذا الإنسان حيث إنه يطلب علم الدين والعلم الشرعي.
ثم قال:(وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
قوله:(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله)، هذا القيد ليس قيداً حقيقياً، وإنما هو قيد أغلبي؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى بدون ذكر المسجد.
فالإنسان إذا سلك طريقاً يلتمس فيه علماً بأن جاء إلى بيت الله، وهو أعظم مكان يتعلم فيه العلم الشرعي، أو ذهب إلى المدارس ليتعلم العلوم الشرعية فيها فهو في رباط، ومجالس العلم في المساجد وغيرها تحيط بها الملائكة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة)، وأعظم ما يكون الفضل في بيوت الله عز وجل.
والسكينة: هي الطمأنينة، فإذا جلسوا في بيوت الله عز وجل يستمعون كلام الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم غشتهم رحمة رب العالمين، وتنزلت عليهم من السماء الطمأنينة {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨]، وكذلك تحيط الملائكة بهؤلاء الجلوس حتى تصعد إلى السماء وتخبر ربها سبحانه:(أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون).
قال:(وذكرهم الله فيمن عنده)، فإذا ذكرت الله عز وجل ذكرك الله سبحانه وتعالى في الملأ الأعلى فيمن عنده من الملائكة.
ثم ختمه صلى الله عليه وسلم بقوله:(ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، أي: من كان عمله بطيئاً في طاعة الله سريعاً إلى معصية الله، لم ينفعه أن يقول: أبي كان كذا، وأبي كان كذا، إنما تنتفع إذا انتفعت بعلم أبيك وعملت مثله أو خيراً منه.
ولذلك النبي صلوات الله وسلامه عليه ذكر بعضاً من أقربائه وقال عنهم - وكانوا كفاراً -: (ألا إن بني فلان ليسوا لي بأولياء)، وإن كانوا في النسب أقارب ولكنهم مع الكفار، فهؤلاء ليسوا لي بأولياء، (إنما وليي الله وصالح المؤمنين) فهؤلاء هم أولياؤه صلوات الله وسلامه عليه، هؤلاء هم الذين يحبهم ويحبونه صلى الله عليه وسلم، وهم الذين انتفعوا بما جاء به، أما أولئك كـ أبي جهل وغيره ممن ماتوا على الكفر ولم ينتفعوا بما جاء به فقد قال عنهم:(ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين).