في الصحيحين من حديث أسامة رضي الله عنه قال:(أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً في الموت)، وهذا ابن بنت النبي صلى الله عليه وسلم، والإنسان ابنه غال عليه، وابن ابنه وابن ابنته كذلك، ولا شك أن الإنسان إذا علم أن ابن ابنته يموت فإنه يذهب إليها سريعاً، فيواسيها فيما هي فيه من المصيبة، لكي تصبر وتتصبر، فهي ترسل للنبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها لكي يأتي يصبرها فيما هي فيه من موت ابنها على يديها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاء إليه:(ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب)، أرسل إليها ليعودها على الصبر، فاصبري ولا تنتظري من أحد أن يقف بجوارك، ثم أرسلت إليه تحلف عليه صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليها، فذهب إليها وصبرها بقوله صلى الله عليه وسلم:(لله ما أخذ وله ما أعطى)، فالعطاء من الله، وإذا أخذ الله فقد أخذ ما يملكه سبحانه تبارك وتعالى، فلله كل شيء، فما أخذه فهو له، وما أبقاه أيضاً فهو له سبحانه، وكل شيء عنده بأجل مسمى، والمعنى: كوني موجوداً لن يزيد في عمر هذا الغلام ولن ينقصه، فكل شيء بكتاب وأجل مكتوب عند الله سبحانه تبارك وتعالى، (وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب).
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وحمل الغلام ونفس الغلام تخرج، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وذرفت عيناه، وتعجب له الصحابة، قالوا: ما هذا يا رسول الله! أنت تنهانا عن النواح على الميت وأنت تبكي عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنها رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من عباده)، إذاً: كونه يبكي وتسيل دموعه صلى الله عليه وسلم هذا لا ينافي أنه يصبّر صلى الله عليه وسلم، ويصبر ابنته على ما ابتلاها الله عز وجل به، فالبكاء وحزن القلب لا ينافي الصبر، وإنما الذي ينافيه هو الصراخ والنواح والعويل.