يذكر المصنف قول الله سبحانه وتعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف:٢٨].
هنا الخطاب للنبي صلوات الله وسلامه عليه، يربيه ربه بالقرآن، فيؤدبه ويهذبه صلوات الله وسلامه عليه، فينفذ ما يقول له ربه عليه الصلاة والسلام، ولعله يكاد يفعل شيئاً ثم ينزل القرآن لينبهه فيرجع عنه، ولعله يفعل ويرى أن المصلحة في هذا الشيء ثم ينزل القرآن ويلومه ويعاتبه صلوات الله وسلامه عليه، لماذا فعلت هذا الشيء؟ لعلنا نذكر قصة الأعمى عبد الله بن أم مكتوم الذي جاء يتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم في وقت كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه مشغولاً بدعوة أناس من كبار الكفار ليدخلوا في دين الله عز وجل، فألح على النبي صلى الله عليه وسلم في شيء ليعلمه إياه، فكأنه غضب صلى الله عليه وسلم منه، وأن هذا ليس وقته، فهؤلاء لو دخلوا في الإسلام سيكون في الإسلام عزة، فعبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، فنزل القرآن يلومه صلى الله عليه وسلم، لماذا تعبس؟ لماذا تقطب جبينك لهذا الإنسان؟ لاحظ أنه عبس لإنسان أعمى لا مبصر، فالمبصر سيراه أنه عبس، ولكن هذا كان أعمى ومع ذلك فإن القرآن يلومه على ذلك، ويقول له:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}[عبس:١ - ٤].
فهنا يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء لو عمله غيره لما عوتب عليه، ولكن ربنا قال له:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:٤]، وصاحب الخلق العظيم لابد أن يتربى ويتأدب على أعلى وأعظم ما يكون، فالذي لغيره مباح هو في حقه صلى الله عليه وسلم ممنوع؛ لأنه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فربه يؤدبه بأعلى ما يكون من مكارم الأخلاق صلوات الله وسلامه عليه.