للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (كان داود لا يأكل إلا من عمل يده)]

في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده)، داود كان ملكاً، ومع هذا كان يأكل من عمل يده! وغيره من الأنبياء كانوا يعملون، ولكن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لنا هنا داود لأن العادة أن الملوك لا يشتغلون بالكسب، وعندما يذكرون عنه أنه يصنع الدروع قد يظن أن المقصود أن الأتباع هم الذين كانوا يصنعون السوابغ، يعني الزرود والدروع؛ فلأنه ملك فقد كان الذين حوله هم الذين يصنعون، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الشيء على حقيقته، فأخبر أن داود كان لا يأكل إلا من عمل يده، فيعمل عليه الصلاة والسلام وهو ملك من الملوك، ملكه الله عز وجل على بني إسرائيل ومع ذلك كان يصنع الزرود، أي: يصنع القمصان من الحديد ليلبسها المجاهدون ويبيعها ويأكل من هذه الصنعة.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم قال: (كان زكريا عليه السلام نجاراً).

وجاء في المستدرك بإسناد واه كما ذكر الحافظ ابن حجر قال: (كان داود زراداً) يعني يصنع الزرود، وربنا قال له: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [سبأ:١١]، علمه الله عز وجل صنع القميص الذي من حلق حديدية، حلقة وحلقة وبينهما مسمار يربط الحلقيتن، فيقدر المسمار على قدر الحلقة، ويصنع حلقة يضمها إلى الأخرى حتى يكون قميصاً يقدر الإنسان أن يتحرك فيه ويحميه من السهام.

قال: (وكان آدم حراثاً) كان آدم يزرع ويأكل مما زرعه عليه الصلاة والسلام.

قال: (وكان نوح نجاراً) فعلم النجارة وكان لا يعلم شيئاً عن صناعة السفن، فأوحى إليه ربه سبحانه أن يصنع السفينة.

قال: (وكان إدريس عليه الصلاة والسلام خياطاً، وكان موسى راعياً) وكون موسى راعياً هذا مذكور في القرآن، حيث استؤجر ثمان سنوات أو عشر سنوات ليعمل بالرعي مقابل أن يتزوج عليه الصلاة والسلام.

والغرض أن الأنبياء كانوا يعملون، ونبينا عليه صلى الله عليه وسلم عمل قبل ما يوحى إليه، فقد رعى الغنم صلى الله عليه وسلم، وما من نبي إلا ورعى الغنم، وكذلك تاجر مع السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها، فتاجر وكسب وربح مالاً كثيراً صلوات الله وسلامه عليه.

وبعدما أوحي إليه صلوات الله وسلامه عليه وهاجر وفرض الجهاد جعل الله للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم المكسب، فقال: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، يعني الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، فرزقه كان من المغانم، وما كان يأخذها ويستأثر بها على المسلمين وإنما كان له الخمس من المغانم، فالمغنم يقسم أخماساً كما في الآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:٤١]، لله وللرسول قسم واحد من خمسة أقسام: {لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:٤١] فعددهم ستة لكن الحقيقة أنهم يقسمون خمسة أقسام، فقسم للنبي صلى الله عليه وسلم وهو خمس الخمس، وكان هذا رزقه عليه الصلاة والسلام، وكان له خمس الفيء كاملاً، فجعل الله رزقه تحت ظل رمحه كما قال صلى الله عليه وسلم.