يقول أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) هذا الحديث جاء في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر (لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: ما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له) إذاً: ترى أنت في منامك رؤيا صالحة، أو إنسان من المؤمنين يرى لك رؤيا طيبة صالحة، فتفرح أنت وتسر بهذا الشيء.
وفي الحديث الآخر:(إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) متفق عليه، يعني: اقتربت مدة انتهاء هذه الدنيا، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده، فكلما يقترب زمان الآخرة يبتعد الناس عن زمان النبوة، ويكثر الكفر ويكثر الفسوق، ويكثر التكذيب بآيات الله سبحانه، وبأحاديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فيجد المؤمن نفسه غريباً في الدنيا فيحتاج إلى ما يثبته، فالله عز وجل يجعل هذه الرؤيا بشارة له، وتثبيتاً له فيطمئنه بذلك، ويثبت قلبه بهذه الرؤيا الصالحة الصادقة التي يراها، وكلما كان الإنسان صادقاً كانت رؤياه صادقة حقيقية، وكلما كثر كذبه كان بعيداً عن الرؤيا الصالحة الصادقة.
يقول في الحديث:(إذا اقترب الزمان، لم تكد رؤيا المؤمن تكذب) أي: لم يكد يرى الرؤيا إلا وتتحقق كما رأى، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، أو جزءاً من ستين جزءاً منه، أو من سبعين أو من تسعين جزءاً أو من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة، والمعنى: أن النبوة أجزاء، والرؤيا من صفات النبوة، يكون فيهم كذا ويكون فيهم كذا، فمن ضمن صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الرؤيا الصادقة الصحيحة، لا يعتريهم الوساوس؛ لأنهم معصومون قد عصمهم الله، فالمؤمن كلما ازداد صدقاً اقترب من هذه الصفة، وليس معناه: أنه يصير نبياً، وليس كل من يرى الرؤيا الصادقة يصير إنساناً مؤمناً، ليس شرطاً هذا الشيء، ولكن الغالب ذلك، وقد يرى الكافر رؤيا صادقة صحيحة، ولكن المقصد هنا: أن الله يطمئن المؤمنين بمثل ذلك، ويكثر فيهم ذلك كلما اقترب الزمان؛ تثبيتاً من الله عز وجل لهم، وتبشيراً لهم، فيرى المؤمن رؤيا صالحة ويسر بها في هذا الزمن الذي يرى الإنسان نفسه أنه يعيش وحيداً، وأنه يعيش غريباً في وسط الناس، فالله سبحانه وتعالى يؤنسه بهذه الرؤيا، فقال:(رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) أي: جزء من أجزاء النبوة أو صفة من الصفات التي فيها الرؤيا الصالحة، فهذا الإنسان كلما ازداد صلاحه اقترب من هذه الصفة التي عند الأنبياء, وهي صفة الصدق في الرؤيا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً) الإنسان الذي يريد أن يرى رؤيا صادقة، لا بد أن يصدق في الحديث، فقد يكون صادقاً في كلامه، فالله عز وجل يمن عليه بذلك، والإنسان الكذاب نادراً ما يرى الرؤيا الصحيحة، وليس معناه: يستحيل أن يرى، بل الكافر يرى الرؤيا الصادقة أحياناً فكيف بالإنسان المسلم؟! ولكن المعنى في الحديث: أن الإنسان الصادق كثيراً ما يرى الرؤيا الصادقة من الله سبحانه وتعالى ويحدث فيها ما رآه، أو تكون فيها بشارة لهذا المؤمن على ما رآه.