للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فرار الشيطان عند سماع الأذان]

في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب للصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا وكذا اذكر كذا لما لم يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى).

هذا الحديث العظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين حيل الشيطان، كما يبين أن الأذان يطرد الشيطان فإذا سمعه يهرب فزعاً، ولشدة فزعه يهرب وهو يضرط، ومعلوم أن الإنسان حين يرى شيئاً يفزعه قد يبول على نفسه أو يتغوط أو يخرج منه ريح؛ لأنه لا يستطيع أن يتحكم في نفسه، كذلك الشيطان يفزع حين يسمع الأذان، فيحدث منه ذلك لأمرين: الأول: من شدة فزعه ورعبه من الأذان.

والثاني: لأنه لا يريد أن يسمع الأذان، فيضرط بهذه الصورة القبيحة ليسمع ضراطه ولا يسمع الأذان؛ ولذلك كان الأذان شفاء للإنسان المؤمن حين يسمعه؛ لما فيه من إذهاب للشيطان والنجاسات عن الإنسان المؤمن من الجان الذين لا يؤمنون بالله.

يقول: (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل)، أي: إذا أكمل المؤذن يرجع الشيطان للناس فيوسوس لهم، (حتى إذا ثوب للصلاة أدبر)، فسواء سمع الأذان أو الإقامة يهرب، (حتى إذا قضي التثويب)، أي: إقامة الصلاة (أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه)، فالشيطان له تمكن من الإنسان بصورة لا نعرفها، ولكن يخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن لم نر الشيطان، فيقول: يأتي الشيطان ويوسوس لك ما كنت في الصلاة: (حتى يقول: اذكر كذا واذكر كذا)، فأهم شيءٍ عند الشيطان أن تخرج من الصلاة ليس لك منها شيء.

وفي الحديث: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم)، الالتفات في الصلاة كما لو كنت تصلي فتنظر عن شمالك أو يمينك متلهياً عن صلاتك، وقد تنظر شيئاً أمامك كألوان الحائط، أو صورة عليه، فالشيطان يسرق بذلك من صلاتك، ويترصدك كلما تلهيت وتعمدت ذلك، ولو كنت تفكر في شيء غير الصلاة لضاع منك بعض الثواب، والشيطان يفرح بذلك، ولذلك يحرص على أن يشغلك في الصلاة ويقول لك: اذكر كذا، فلو نسيت موعداً ذكرك به في الصلاة، أو شيئاً نسيت موضعه ذكرك به في الصلاة.

على أن هذه الأشياء وإن كانت مهمة بالنسبة لك لكنها بالنسبة للشيطان لا تعني شيئاً، والأهم عنده أن يضيع عليك الصلاة، إذ الصلاة هي التي تدخلك الجنة، وهو لا يريدك أن تدخل الجنة، {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢]، فقد توعد الشيطان آدم وبنيه أن يدخلوا النار، وأقسم على ذلك بعزة الله وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢].

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لما لم يذكر من قبل؟)، فالذي ما كان يتذكره قبل هذا يتذكره وهو في الصلاة، كلما انتبه للصلاة أو دخل فيها بجد إذا بالشيطان وراءه حتى يلهيه عن الصلاة (حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى)، فالشيطان يريد أن يجعلك لا تدري كم صليت، فإذا بالإنسان يضجر من الصلاة، وكلما صلى ثلاث ركعات أو أربعاً لا يدري كم ركعة صلى، فإذا به من شدة ما ألم به من الشك يخرج من الصلاة، والشيطان يريد ذلك، ولذا إذا ابتليت بالسهو في الصلاة فاسجد للسهو؛ فإنك تؤذي الشيطان بذلك وتغيظه، إذ كلما سجد العبد فر الشيطان وهو يبكي ويقول: (يا ويله -يدعو على نفسه بالويل والثبور- أمرت بالسجود فلم أسجد، وأمر بالسجود فسجد)، فقد جاء يوسوس له من أجل ألا يدري هل صلى ركعتين أو ثلاثاً، فإذا جعلهن ثلاثاً وسجد سجدتين زاد على ما كان يريد ألا يفعله، فهنا تغيظ الشيطان بطاعتك لله عز وجل، وبإقبالك على الله سبحانه تبارك وتعالى.