قال صلى الله عليه وسلم:(أو علم ينتفع به)، وانظر مثلاً إلى هذا الكتاب الذي نشرحه، كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله، فقد عاش سنة ستمائة هجرية رضي الله عنه، ومرت ثمانمائة سنة على وفاة الإمام النووي رحمه الله، وكتابه لا يزال يدرس ويقرأ ويحفظ، وهذا يشرحه وهذا يهذبه وهذا يزيد عليه، وهذا يصحح أحاديث ويضعف غيرها، فيا ترى كم أخذ مؤلفه من الحسنات رحمة الله عليه، وهذا واحد من بعض كتبه رحمه الله فقد كتب في الآداب والأخلاق والسلوك وغيرها، وله كتاب (المجموع) رحمه الله، وهو كتاب عظيم في الفقه الشافعي، بل يعتبر من أمهات الكتب في الفقه المقارن أيضاً، فهو كتاب عظيم يبلغ عشرين مجلداً بعدما أكمله الشيخ المطيعي وغيره، وهذه كتب عظيمة انتفع بها المسلمون وما زال ينتفع بها حتى الآن وإلى ما يشاء الله سبحانه تبارك وتعالى.
وكذلك كتابه (روضة الطالبين) فهو كتاب كامل في الفقه الشافعي، ذكر فيه الأقوال للإمام الشافعي والوجوه للأصحاب، وكتابه (تهذيب الأسماء واللغات) فهو كتاب عظيم في اللغة، وكتابه (شرح صحيح الإمام مسلم) وغير ذلك من كتبه العظيمة النافعة.
فهذا إمام من الأئمة وما أكثرهم رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، فقد تركوا لنا ذخيرة عظيمة لا يزال ينتفع بها إلى ما يشاء الله، وعلى قدر إخلاص أصحابها على قدر ما ينتفع بها، فهذا الإمام مالك رحمه الله، ألف موطأه، فقالوا له: يوجد موطآت أخرى غير موطئك، فقال: ما كان لله دام واتصل، فدام موطأ الإمام مالك، ولا يزال يحفظ ويدرس وتؤخذ منه الأحكام رحمة الله تبارك وتعالى على مؤلفه، فانظروا إلى هؤلاء السلف الصالح كيف انتفع بعلمهم، وكذلك كل من يبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم؟! فأصحابه صلى الله عليه وسلم لم يؤلفوا كتباً، وإنما بلغوا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فانتفع به من بعدهم، وهؤلاء الذين رووا لنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل الذين نقلوا لنا هذا القرآن العظيم كم يؤجرون! كلما تلي القرآن أجر هؤلاء الصحابة الأفاضل الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلوا لنا هذا العلم الذي ينتفع به.
ولاحظ أنه قال صلى الله عليه وسلم:(أو علم ينتفع به)، فإذاً فرق بين علم ينتفع به وعلم لا ينتفع به، فإذا كان هذا العلم كلاماً فارغاً أو كلاماً من أهواء الناس، أو مناقشات ومجادلات سفسطائية وتضييعاً للوقت وإشغالاً لأذهان الناس، فهذا كله لا ينتفع به، فلا يؤجر عليه، بل إنه ضيع عمره هدراً، وفي الآخرة لا شيء له، فالنبي صلى الله عليه وسلم قيد العلم هنا بأن يكون علماً ينتفع به.