روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو حديث صحيح، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)، وهذه مكافأة للإنسان المؤمن عند الله عز وجل، فإن المؤمن حين يدخل الجنة يفرح فرحاً عظيماً، ثم تأتيه هذه المكافأة من الله عز وجل، فيقال له: كما كنت تقرأ في الدنيا أي: كما كنت تقرأ في الدنيا تعبداً لله فالآن اقرأ بين يدي الله عز وجل حتى ترتفع في الدرجات، وليس كما كنت تقرؤه في الدنيا تكليفاً، ولكن اقرأه الآن تشريفاً لك، وذلك حين تقرأ القرآن وترتله بصوت جميل بين يدي الله سبحانه وتعالى:(يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق -أي: ارتفع- ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).
والقرآن ستة آلاف ومئتان آية، وكل آية تقرؤها فإنك ترتقي بها درجة، فإذا كنت تحفظ القرآن كله فإنك تعلو إلى أعلى الدرجات، وإذا كنت تحفظ بعضه فإنك تعلو بحسب ما تحفظ منه، وهذا يدفع المؤمنين للتنافس في ذلك، فيتنافسون في حب الله عز وجل، وفي حفظ كتابه، ولا تيئس ولا تعجز، وحاول أن تحفظ من القرآن حتى آية في كل يوم، وراجع ما حفظته قبل ذلك، وإن الإنسان قد يجلس وهو يريد أن يحفظ فيحاول أن يحفظ ربعاً كاملاً فلا يستطيع أن يحفظ منه شيئاً، فيقوم وقد نسيه كله، وليس ذلك هو المطلوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فإما إلى سنة وإما إلى بدعة).
إذاً: فالإنسان لا تأخذه الحماسة فيريد أن يحفظ كل شيء مرة واحدة؛ لأن ذلك ليس ممكناً، بل هو صعب جداً، وخاصة إذا لم يكن متعوداً على الحفظ، فيحتاج إلى أن يتعود شيئاً فشيئاً، فيحفظ أولاً آية واحدة، ويرددها في نهاره وغده إلى أن يحفظها، ثم يضم إليها غيرها، ولا يزال يحفظ كذلك إلى أن يحفظ القرآن كله، أو ما استطاع حفظه منه، وليبدأ بما يحبه، وبما يستمتع به، فقد يكون يحب أن يحفظ سورة يس، وغيره يحب أن يحفظ سورة الرحمن، وهكذا، فليبدأ بما يحب، وليس شرطاً أن يبدأ من أول البقرة، أو من أول جزء عم، ولكن السورة التي تستهويه ويحبها يبدأ بها؛ لأنها ستكون سهلة عليه، وليضم إليها غيرها وغيرها، وسيجد نفسه في النهاية قد حفظ الكثير من كتاب الله عز وجل، بل حفظه كله.