للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث (إنا لله وإنا إليه راجعون)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أجره الله تعالى في مصيبته، وأخلف له خيراً منها).

قالت أم سلمة رضي الله عنها: (فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد)، رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

ذكرنا في الحديث السابق: أن الإنسان إذا حضر من يحتضر أنه يستحب له أن يلقنه لا إله إلا الله، ولا يمله بذلك، ولا يكثر عليه، فإن وجده تكلم بغير ذلك أعاد عليه مرة ثانية ليذكره أن يقول: لا إله إلا الله، والحاضرون عند الميت إذا قبضت روحه استحب لهم أن يدعوا له ولأنفسهم بالخير، ويحذروا من أن يدعوا على أنفسهم، فإن الملائكة تؤمن على ما يقول الإنسان في هذه الحال، فإذا دعوا على أنفسهم أمنت الملائكة.

ويستحب أيضاً لمن يبتلى بمصيبة من مصائب الدنيا كموت أو غيره أن يقول كما قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اؤجرني في مصيبتي) تعني: أعطني الأجر في هذه المصيبة، (واخلف لي خيراً منها)، وهذا الدعاء علمه صلى الله عليه وسلم لـ أم سلمة فدعت به، فكان الذي هو خير من أبي سلمة وهو رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، قالت: (فأخلف الله لي خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فمن المستحب عند المصيبة أن تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، تسلية للنفس بذلك قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذه الكلمة ذكرها الله عز وجل في كتابه، فقال: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦]، ورتب على ذلك الأجر والثواب فقال: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٧].

وقد تلاها عمر رضي الله عنه فقال: (نعم العدلان ونعمت العلاوة).

العدلان هما ما يحملان فوق البعير من أمتعة ويعادل وزنهما بين الجانبين حتى لا يكون شق الجمل مائلاً، والعلاوة ما فوق الاثنين، فقال عمر رضي الله عنه في ثواب الله سبحانه: نعم العدلان ونعمت العلاوة، فأنعم به من شيء ما تفضل الله وتكرم على عبده فأعطاه من هداية ومن فضل منه سبحانه ومن صلاة عليه {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:١٥٧]، فيصلي عليهم ويثني عليهم ويرحمهم ويهديهم سبحانه وتعالى.

قوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، تأمل هذه الكلمة: فهذا الإنسان قد توفي، وهذه النعمة سلبت وأخذت، وهذا المال قد ضاع، ونحن أيضاً سنلقى نفس المصير (إنا لله)، فنحن ملك لله سبحانه، والله خلقنا وهو يملكنا، ونحن عبيده سبحانه تبارك وتعالى، ثم المرجع إلى الله سبحانه، ولا بد وأن نذوق جميعاً الموت فنرجع إلى الله سبحانه تبارك وتعالى.

ثم يدعو المصاب والمبتلى بما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)، ولينتظر الخير من وراء ذلك.