للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر)]

وقال سبحانه: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:٩ - ١٠]، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:٦ - ٨]، فالله أحسن إلى نبيه صلوات الله وسلامه عليه إحساناً عظيماً وجعله يتيماً، والإنسان ينظر كيف كان صلى الله عليه وسلم في أهله، وكيف كان في عشيرته.

كان يتيماً فقيراً، فأبوه مات قبل مولده صلى الله عليه وسلم، وأمه ماتت وله ست سنوات صلوات الله وسلامه عليه أو نحوها، فيرعاه جده، ثم يموت جده، ويرعاه عمه، وينتقل من إنسان لإنسان، فالذي يموت عنه أبوه ثم جده ثم عمه الغالب أن يزهد في مثله، ويكون لا مال له، ولكن الله عز وجل كفله وهو ينتقل من إنسان إلى إنسان، قال سبحانه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:٦]، هو الذي آواك، وهو الذي رعاك، وهو الذي جعلهم يحنون عليك ويعطفون عليك، فإذا كان الأمر كذلك فكن مع مثل من كان في حالتك، كن كما كنا معك، أحسن يحسن الله عز وجل إليك، أشفق على اليتيم واعطف عليه، فكان كذلك صلوات الله وسلامه عليه.

قال له سبحانه بعدما من عليه بهذه النعم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:٦ - ٧]، أي: لا تعرف شيئاً عن الشرائع، فالله عز وجل ينزل عليه هذا الكتاب العظيم، المعجزة التي جاءت من السماء، إذ يتحدى به الخلق كلهم صلوات الله وسلامه عليه.

{وَوَجَدَكَ ضَالًّا} [الضحى:٧] أي: غافلاً عن الدين، فإذا به سبحانه يجتبيه ويجعله سيد المرسلين.

وقال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا} [الضحى:٨] أي: فقيراً عائلاً، فأعطاك الله سبحانه وتعالى المال بفضله وبرحمته، وبإحسانه إليك، فإذا كان كذلك {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:٩]، أي: بما أننا ربيناك فلا تقهر يتيماً، ولكن أحسن إلى الأيتام واعطف عليهم.

{وَأَمَّا السَّائِلَ} [الضحى:١٠] أي: الذي يسألك علماً شرعياً أو حاجة يحتاجها لفقره ومسكنته {فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١٠ - ١١]، والنعم كلها من الله سبحانه وتعالى، هو الذي من عليك وأعطاك.

فالله سبحانه علمه وأدبه ومن عليه وأمره أن يتحدث بنعم الله عز وجل عليه، فكان يتحدث غير مفتخر بهذه النعم وإنما كما أمر، فيقول: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)؛ أي: لأن ربي أخبرني بذلك وأمرني أن أتحدث بنعمته علي.

ويأتي السائلون ويسألون النبي صلى الله عليه وسلم فيعطيهم صلوات الله وسلامه عليه، حتى إن أحدهم ليقول: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر! فكان لا يمسك شيئاً ويعطي مما أعطاه الله سبحانه وتعالى.