[معنى قوله تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت وأنكم إلينا لا ترجعون)]
قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:٩٩].
أي: أن كل إنسان عندما يأتيه الموت يتمنى أن يرجع، يقول الكفرة والفجرة: ((رَبِّ ارْجِعُونِ)) أي: أرجعنا إلى الدنيا، يقولون ذلك بعدما ذاقوا النار والعياذ بالله، وبعدما نظروا هول الموت وهول المطلع، وبعدما رأوا ما في القبور من سؤال وغير ذلك، وأن القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار.
فأصحاب النيران يقولون: ((رَبِّ ارْجِعُونِ)) فيقول الله لهم: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ} [المؤمنون:١٠٠] أي: وعد من الله قد قاله الله، ولا رجوع مرة ثانية.
وقال سبحانه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:١٠١] أي: إذا نفخ في الصور يوم القيامة النفخة الأولى فالكل يموتون، فينتهي أمر الدنيا، ثم تكون النفخة الثانية فيبعثون من القبور للحساب، ويخرجون مدهوشين، ويجمعون إلى المحشر بين يدي الله سبحانه في يوم عظيم مهيب مخيف، كل إنسان يقول: نفسي نفسي.
يسألهم الله سبحانه وتعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:١١٢ - ١١٣] أي: اسأل الذين كانوا يعدون، وهم يظنون يوماً أو جزءاً من اليوم، لكن في الحقيقة يوم القيامة قدره خمسون ألف سنة.
قال سبحانه: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:١٠٢ - ١٠٣].
أي: المؤمنون الناجون ثقلت موازينهم فربنا سبحانه جعلهم من المفلحين، أما الذين كانوا في الدنيا في بعد عن الله وفي غفلة عن دينه فخفت موازينهم، يأتي الرجل السمين الضخم من هؤلاء فلا يزن عند الله جناح بعوضه، ليس له قيمة يوم القيامة، فأولئك الذين خسروا أعظم الخسران، فأعظم خسران أن الإنسان يخسر نفسه التي يدافع عنها في الدنيا بماله وبكل شيء، هذه النفس خسرها وشهدت عليه يوم القيامة، قال سبحانه في حال هؤلاء: {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:١٠٣ - ١٠٤] أي: يدخلون النار، فتأتي على وجوههم، وأشرف ما في الإنسان وجهه.
قوله: ((تَلْفَحُ)) أي: تحرق، ((وُجُوهَهُمُ النَّارُ)).
((وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ)) أي: مشوهون والعياذ بالله، مناظرهم كمنظر الإنسان المحترق في الدنيا، قد احترق جلده وانكمش من جانب وطال من جانب آخر، تغيرت هيئة وجوههم التي كانت أشرف ما فيهم في الدنيا.
قال تعالى مبكتاً لهم: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:١٠٥] أي: أتتكم الآيات وقرأها عليكم رسولكم صلوات الله وسلامه عليه فكذبتم بها.
ويقول في الآية الأخرى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون:١١٥]، أي: أحسبتم أننا نلعب، {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه:١١٤ - ١١٥].
قال سبحانه تبارك وتعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحديد:١٦] أي: ألم يحن ولم يجيء الوقت، {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} [الحديد:١٦] أي: أهل الكتاب طالت عليهم الدنيا، فإذا بالأمد لما طال زاد الأمل في رءوسهم، وزاد حب الدنيا في قلوبهم فنسوا الآخرة، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦].