قال الله:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ}[هود:١٠٢]، كهذا الذي ذكره لنا في القرآن في سورة هود يذكر لنا ربنا سبحانه كيف أنه أرسل نوحاً إلى قومه ودعاهم إلى الله عز وجل، فلما كذبوه أغرقهم، فأمر الله عز وجل السماء أن تفتح أبوابها، وأمر الأرض أن تخرج ماءها، فالتقى ماء السماء بماء الأرض وأغرق الله عز وجل من عليها، ونجى نوحاً ومن معه، وقد دعا نوح قومه إلى عبادة الله فأبوا واستكبروا، وصبر عليهم ربهم وهو القادر عليهم سبحانه، وهو القاهر فوق عباده! ودعاهم نبيهم نوح إلى ربه عليه الصلاة والسلام، وليس هيناً على ربه، وليس مبعوثاً للناس استقلالاً بأمره، ولكن الله عز وجل كرمه وشرفه وفضله وجعله يصبر على هؤلاء حتى يئس من إيمانهم {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح:٥ - ٧].
فشهد عليهم نبيهم صلوات الله وسلامه عليه أنهم لا إيمان في قلوبهم ولم تنفع معهم هذه الدعوة إلى الله، وهي ألف سنة إلا خمسين عاماً، فكانوا يصرون على الكفر وعلى التكذيب وعلى البعد عن رب العالمين سبحانه، قال الله عز وجل:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف:١٨٣].
دعاهم نوح وهم لا يستجيبون، وتركهم الله هذه المدة الطويلة حتى أخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر، فأملى لهم وتركهم حتى مات الأجداد والآباء والأحفاد، وكل يوصي من بعده بالبعد عن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛ فلذلك لما جاء العذاب من عند رب العالمين كان عذاباً شديداً، فأغرق هؤلاء جميعاً {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:٤٠]، ونجا نوح والمؤمنون معه ثم انتهى أمر إهلاك هؤلاء الظالمين.
وقد قال نوح عليه الصلاة والسلام لابنه:{يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}[هود:٤٢ - ٤٣]، وكان لا يوجد وقت للمناقشة، فجاء عذاب رب العالمين وحال بينهما الموج فكان من المغرقين، جاءت الموجة فرمته بعيداً عن أبيه من أجل ألا يترحم عليه ولا يصعب عليه أن يرى ابنه بعيداً قد أهلكه الله سبحانه وتعالى:{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[هود:٤٣].
لما تذكر نوح ابنه سأل ربه وقال:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}[هود:٤٥]، أنت وعدتني أن تنجيني وأهلي، قال: إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، احذر -يا نوح- فلا تسألني ما ليس لك به علم، ويرجع نوح عما قال:{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود:٤٧]، ونجا نوح وحاق العذاب بالقوم الكافرين.