للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذم الشح]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب النهي عن البخل والشح.

قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:٨ - ١١].

وقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٩].

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم.

باب الإيثار والمواساة.

قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك، لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يضيف هذا الليلة؟)، وذكر القصة].

هذا باب من أبواب كتاب رياض الصالحين، يذكر النووي رحمه الله باب النهي عن البخل والشح، فمن الناس من يكون بخيلاً لا ينفق الواجب عليه، ومنهم من يكون شحيحاً ممسكاً مقتراً يبخل على الغير بل يبخل على نفسه أيضاً.

كل إنسان في نفسه شح، قال الله سبحانه: {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ} [النساء:١٢٨] يعني: في نفس كل إنسان قدر من الشح، وكل إنسان مأمور أن يقاوم هذا الشح، ولو لم يوجد في قلب الإنسان الشح لم يؤمر بأن يقاومه، والله عز وجل له الحكمة البالغة، وهو حكيم سبحانه، وإذا أمر العبد بشيء لم يأمره إلا بما فيه مصلحة للعبد ومنفعة له دنيوية وأخروية.

وإذا نهاه عن الشيء لم ينهه إلا عن شيء فيه مضرة عليه في الدنيا وفي الآخرة، ليأمر عباده وينهى عباده: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤].

فخلق الإنسان وهو أعلم بما في نفسه، خلقه فسواه فعدله سبحانه وتعالى، وجعل في قلب الإنسان أشياء تدفع الإنسان إلى الضرر إلا أن يهذبها له ربه تبارك وتعالى، فلم يخلقه ملكاً من الملائكة وإنما خلقه بشراً، والبشر يخطئ ويصيب، {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ} [النساء:١٢٨]، فالنفس خلقت وفيها قدر من الشح، لذلك أمر بمقاومة هذا الشح، ولو لم يكن موجوداً لما احتاج إلى أن يقاومه.

كذلك ركبت الشهوة في الإنسان، وأمر أن يقاوم الخطأ الذي فيها، ويهذب شهوته، فيأخذ الحلال ويمتنع عن الوقوع في الحرام، فلو أن الإنسان لم تخلق فيه الشهوة أصلاً لما أمر الإنسان أن يتزوج، ولما أمر أن يجتنب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولم ينزل الله عز وجل الحدود في الزنا؛ لأن طبيعة الإنسان تأنف ذلك وتبتعد عنه.

ولكن لما أوجد في الإنسان الشهوة لحكمة الله عز وجل أمره أن يقاوم نفسه فيري الله عز وجل ملائكته كيف أن هذا الإنسان الذي خلقه عز وجل وفيه شهوة، ولكن حبه لله عز وجل يجعله يهذب شهوته فيأتي ما أحل الله، ويمتنع عما حرم الله سبحانه تبارك وتعالى.

الشح بخل مع حرص، فهو حريص على أن هذا المال لا يضيع منه، فإذا هو يبخل به عن الغير ويبخل به عن نفسه أيضاً لشدة حرصه.

ثم تأتي الشريعة تهذب هذا الشيء، فهذا المال انتفع به ولينتفع به غيرك، وأنت خليفة على ذلك ومسئول عنه يوم القيامة، فأنفق على نفسك، وابدأ بمن تعول، وأمره بالإنفاق في وجوه الخير، أمره بزكاة ماله، وأمره بالصدقة والإحسان: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].