وجاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) أي: الإنسان الذي يتقي الحرام.
وقد جاء في حديث أبي هريرة قبل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(اتق الحرام تكن أعبد الناس) أي: إذا أردت أن تكون أفضل العبّاد لله فلا تقرب الحرام، فصفة العبودية لله صفة تشريف، فالله سبحانه وحده هو الخالق، وما سواه مخلوقون، فهم عبيد لله، فهو سبحانه يحب من عباده من كان متصفاً بهذه الصفات: أن يكون تقياً غنياً خفياً.
فالتقي هو الذي يتقي الحرام، ويتقي غضب الله، ويتقي المعاصي والذنوب، فهو تقي وهو غني.
قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الغنى:(ليس الغنى عن كثرة العرض) أي: ليس الغنى أن يكون لديك مال كثير، (ولكن الغنى غنى القلب)، أي: امتلأ قلبه إيماناً فاستغنى بهذا الإيمان، وامتلأت نفسه شبعاً بتقوى الله سبحانه، فلا ينظر إلى الدنيا ولا يأبه لها مهما أوتي الناس من كنوز، فكنزه في قلبه وهو إيمانه العظيم، فقد علم أنه مهما أوتي من مال فسيتركه يوماً من الأيام، فاستغنى بما عنده من إيمان وبعمله الصالح، فغناه في قلبه وليس محتاجاً إلى أحد، وإنما هو محتاج إلى الله عز وجل، فقد ركن إلى الله ولم يركن إلى الذين ظلموا، فقد امتلأ قلبه غنى.
قال:(إن الله يحب العبد التقي الغني) يعني: أن قلبه غني غير محتاج إلى أحد، فلا يستشرف إلى شيء من الدنيا.
قوله:(الخفي) يعني: الذي يداوم على العمل ويخفي هذا العمل، فلا يعلن العمل أمام الناس وهو في السر لا يعمل شيئاً، فهذا عمله صالح، وأكثر ما يكون من عمله في الخفاء، فالله عز وجل يحب هذا.
فإذا أحبه الله كان الأمر كما قال الله تعالى في الحديث الآخر:(فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها؛ ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
فالعبد الذي يحبه الله عز وجل عبد قريب من الله، وهو عبد إذا طلب من الله أعطاه، ومع ذلك فهو لا يطلب من الله دنيا؛ لأن الدنيا أحقر من أن يطلبها، وإنما يطلب الآخرة، ويطلب أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}[النساء:٦٩]، فتجده يطمع الطمع الحقيقي، وهو الطمع فيما عند الله عز وجل.
وأما الطمع في الدنيا فهو شيء حقير؛ لأنك مهما أوتيت من الدنيا فستتركها يوماً من الأيام، ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء، لذلك فهذا العبد يطمع فيما عند الله سبحانه، يطمع في جنة الله سبحانه، فهذا هو الطمع الحقيقي، وهذه هي المنافسة الحقيقية، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦]، فالله عز وجل يحب من عبده أن يكون تقياً غنياً خفياً.