للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موافقة عمر في التحذير من الظلم ودعوة المظلوم]

روى الإمام البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه استعمل مولىً له اسمه هني على الحمى أي: أن عمر كان في عهده حمى لفقراء المسلمين وللخيل الذي يستخدم في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وكلمة (حمى) تعني: أن تؤخذ أرض كبيرة وتجعل هذه الأرض للكلأ أي: العشب من أجل أن يرعى فيها أغنام وأنعام وخيول جيش المسلمين.

هذا الحمى يمنع الناس من الرعي فيه، وكانت نصيحة عمر لـ هني الذي هو العامل التابع له أن قال له: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين.

أي: كف يدك عن ظلم المسلمين.

واتق دعوة المظلوم، أي: أنت حارس لهذا الحمى، فانتبه واحذر أن تظلم أحداً من المسلمين، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع.

فهذا فيه غاية العدل والرحمة على المسلمين ومعرفة الحق لصاحبه، فالحمى: أخذ أرض من أراضي المسلمين التي لا يملكها أحد، من الأرض الواسعة وفيها عشب كثير لعلها تكون مرعى للزكاة التي هي بهيمة الأنعام، فترعى فيها الخيل التابعة للمسلمين، وأيضاً لفقراء المسلمين، فلا مانع للفقير أن يرعى فيه.

فإذا قال قائل: أليست الأرض أرض الله وهذا مرعى، فلماذا تحجر هذه الأرض عن الغني؟ فهنا يبين كلامه لهذا الرجل فيقول له: أدخل رب الصريمة ورب الغنيمة أي: أن الذي عنده ماشية قليلة لا مانع أن يدخل فيرعى فيها.

قال: (وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان)، إن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكذلك عثمان بن عفان أحد العشرة المبشرين بالجنة، والاثنان كانوا من مياسير الصحابة، وكانوا أغنياء جداً، ليسا محتاجين للمرعى الذي يرعى فيه المسلمون.

وليس المعنى أنه بما أنهما غنيان فلا يسمح لهما بالرعي ملطقاً، وإنما المقصود لو كان من الضروري الاختيار بين رعي أغنامهما وبين رعي غنم سائر المسلمين الفقراء فيقدم الفقراء في ذلك؛ لأن عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان إن تهلك ماشيتهما من عدم الرعي فهما يملكان نقوداً كثيرة، لكن الفقير إذا ماتت الغنيمات التابعة له فسيأتي إلى عمر ويقول: يا عمر أعطني.

وليس في بيت المال أموال ولا ذهب ولا فضة كي نعطي هؤلاء، إذاً: إذا ضاق المرعى فالفقراء يقدمون في المرعى، وليس فيه نظر لحسب ولا لنسب ولا أن هؤلاء من أهل الجنة ولا أن هؤلاء بينهم وبينه قرابة.

فالنظرة هنا أن نقف بجانب الفقير، أما الغني فسيجد، فلذلك يحذر عمر ويقول: اتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة.

ثم يقول عمر رضي الله عنه: وأيم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم وإنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام.

فلابد من معرفة الحق، فعندما أكون أنا أمير المسلمين ليس معناه أنني آخذ الأرض كلها بأمري ونهيي، فإنني لا أتحكم بالأرض التابعة لهم، فهم الذين قاتلوا على هذه الأرض وهم الذين فتحوها، حيث فتح الله عز وجل على أيديهم.

فعلى ذلك أنا أعدل فقط، حتى أجعل الغني يعيش والفقير يعيش بجواره، فلذلك أقول لهم معترفاً: الأرض أرضكم وليست أرضي أنا؛ لأني أحمي شيئاً لأجل المصلحة، والمقصود هنا: قول عمر رضي الله عنه بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).