[معنى قوله الله: (إن زلزلة الساعة شيء عظيم)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب الخوف.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١ - ٢]، وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:٤٦] الآيات.
وقال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:٢٥ - ٢٨].
وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)، رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ، فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)، رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
فهذا آيات في كتاب الله عز وجل، وأحاديث من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تبين الخوف من الله سبحانه وتعالى، والخوف من عمل السوء، ومن عذاب الله عز وجل، ومن القبر وما فيه، ومن الموقف ومن الحساب يوم القيامة يوم الحشر إلى الله سبحانه وتعالى.
إن المؤمن كلما تفكر في هذه الأشياء خاف من الله سبحانه وتعالى أن يكون غير راض عنه؛ لأن الله عز وجل إذا رضي عن العبد أمنه يوم القيامة، وإذا سخط عليه خوفه، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:١].
والنفخ في الصور وموت جميع الخلق فيها هول عظيم جداً.
قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج:٢]، والأصل: كل مرضع، وهو وصف تختص به المرأة التي ترضع، ولا يوجد في الرجال من يرضع حتى يقال: مرضع ومرضعة، ولكن العلماء قالوا هنا: إنه وإن كان يقال بأن المرأة مرضع، ولكن قد يؤتى بتاء التأنيث لبيان أنها في الوقت الذي تلقم الصبي ثديها، ففي هذه تسمى: مرضعة، والمرأة وقت الإرضاع تكون أشد حناناً على الصبي، فتضمه إلى حضنها، وتقبله وتلقمه ثدييها، فمن هول الموقف يوم القيامة لو أن هذه المرضع معها طفلها فإنها تذهل عنه وتلقيه، وتقول: نفسي نفسي، فكيف يكون الأمر عند غيرها؟ قال الله سبحانه: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج:٢].
والمرأة الحامل إذا فزعت أسقطت حملها، ومن الشدة والفزع في يوم القيامة تلقى الحامل حملها وتسقطه.
قال الله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج:٢] أي: يخرجون من القبور كهيئة السكارى، وهولاء هم الفجار، وأما المؤمنون فهم خائفون وجلون في هذا اليوم العظيم، نسأل الله عز وجل العفو والعافية، وأن يثبتنا فيه، وألا يجعلنا كهؤلاء السكارى قال الله سبحانه: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢].