[استحباب ترك الانتصار للنفس]
ترفع بنفسك أن تقعد في مكان فيه الشيطان، قم واترك خصمك إن كنت تخشى الله ولا ترد على هذا الإنسان، جاء عن أبي هريرة في حديث حسن رواه أبو داود والإمام أحمد في مسنده: أن رجلاً شتم أبا بكر وهو قاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فبدأ يشتم في أبي بكر رضي الله عنه أمام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستحي، وفي الحديث: (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)، فالنبي صلى الله عليه وسلم له مهابة عظيمة فكون شخص يقعد أمامه ويشتم الصديق رضي الله عنه هذا معناه أنه إنسان سفيه.
ولكن حصل أن جعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم كيف أن هذا يشتم أبا بكر وأبو بكر ساكت؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يعجب لهذا الإنسان الذي لا يستحي، فلما أكثر كأن أبا بكر فهم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممكن أن يرد عليه وينتصر لنفسه.
فلما رد أبو بكر غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام وترك الجلسة، فقام أبو بكر ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله قمت؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه كان معك ملك يرد عنك)، يعني: أن أبا بكر قاعد ونزل الملك من السماء يرد على الذي يشتم.
الصفة التي قالها هذا الشخص لـ أبي بكر لا ترجع فيه، لكن الصفة التي قالها الملك في الإنسان الآخر يأتي بها يوم القيامة؛ لأنه ظالم.
فقد كانت جلسة فيها أبو بكر رضي الله عنه وفيها الملك وفيها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بدأ أبو بكر يرد عليه هنا صعد الملك وجاء الشيطان ليحضر من أجل أن يزيد الخصومة؛ فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس في جلسة فيها الشيطان.
قال: فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره)، يعني: عكس ما يتوقع في العادة، فاله سبحانه سينصرك ويعزك بشرط أن تكون قد تركت ذلك لله سبحانه وتعالى، وابتغاءَ مرضاة الله، فسكت عن هذا الإنسان، فقال لنا صلى الله عليه وسلم: (ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره).
يعني: نصره نصراً عزيزاً، لذلك يخبرنا المصطفى أن نصبر ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى.
ثم يقول: (وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة)، فهذا حق جعله الله عز وجل لهذا الإنسان، أنه يحقق له الوعد الذي في هذه الأحاديث، الأول الشخص المظلوم الذي يغضي عن الظالم ابتغاء وجه الله، فينصره الله نصراً عزيزاً يوماً من الأيام، ورجل فتح باب عطية ليعطي الفقير أو المسكين الذي له قرابة، يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة.
يعني: ربنا وعد أنه سيزيد مال هذا الإنسان ويبارك له فيه.
الثالث: قال صلى الله عليه وسلم: (وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة)، هو لا يطلب لأنه محتاج، ولكنه يستكثر لأنه يرى أنه يحصل على مال كثير بمد يده للناس، فهو أفضل من أن يشتغل موظفاً أو عاملاً.
فهو هنا يريد أن يكثر ماله بذلك، فلا يريد الطعام والشراب، وإنما يريد الاعتماد على سؤال الناس للاستكثار، فهذا سيكون حظه: إلا زاده الله بها قلة، يفقره ويجعل فقره بين عينيه، سيظل فقيراً حتى ولو كان معه مال، وسيظل لباسه مرقعاً مثلما هو كأن الله جعل الفقر في قلبه.
فالمقصود من الحديث: أن الإنسان إذا ظلم فأمسك نفسه فلينتظر النصر من الله سبحانه، والنصر يأتي لأصحاب العزيمة العظيمة القوية الذين لهم الثواب الكبير عند الله تبارك وتعالى، ولذلك فالمسلم دائماً يطلب الأشياء العالية، فإذا أراد الفردوس الأعلى من الجنة فلا بد من الصبر والتحمل للخلق وطلب مرضاة الخالق تبارك وتعالى، ليصل العبد إلى رحمة الله ورضوانه.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل جنته ورحمته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.