للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا)]

هذا حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: (قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: لا) كأن العجم إذا لقي أحدهم صاحبه يسلم عليه وينحني له، فهذا يسأل ويقول: هل نفعل كما يفعلون حين نسلم ويصافح بعضنا بعضاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: لا، أي: يكره هذا الشيء، فقال له الرجل: (أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم).

يعني: أن من السنة أنك إذا لقيت أخاك أن تسلم عليه، إما أن تقول: السلام عليكم وأنت مار، وإما أن تقف وتسلم عليه: السلام عليكم وتصافحه بيدك، فهذا أفضل.

ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن ينحني الرجل لصاحبه، فلا ينحني أحد لأحد إذا قابله.

كذلك الالتزام والتقبيل هذا ليس من السنة، وهذا كثير بين المسلمين، فتجد الآن كلما يقابل صاحبه يقبله، هذا ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الالتزام والمعانقة هذا يكون إذا كان الإنسان مسافراً وقدم من سفره، فهذا تلتزمه وتقبله، لكن الذي تقابله بين فترة وأخرى كلما قابلته قبلته وعانقته، ليس ذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نقول: يحرم ذلك ولكن يكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك قال له: لا تفعل هذا الشيء، فهو قال: يلتزمه ويقبله؟ قال: لا، أينحني له؟ قال: لا، فماذا يعمل؟ أيصافحه؟ قال: نعم.

إذاً: السنة إذا قابلت أخاك المصافحة، ولا نزيد شيئاً ليس له أصل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك، حتى لا تصير بين الناس عادة من العادات التي يمكن أن يعملها الإنسان، فقد يلقى أخاه ويسلم عليه ويقبل شماله ويمينه وقد لا يكون في القلب محبة؛ ولكن لأنه قد تعود على هذا الشيء، ولأنه إذا ما عمل كذا فسيقول: هذا يكرهني.

إذاً: السنة أن تسلم وتصافح، والإسلام ليس فيه تمثيل، ولا داعي للمبالغة في الشيء، فإذا قابلت أخي أسلم عليه وأصافحه باليد أو ألقي عليه السلام، وهذا هو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والمبالغة في الشيء تؤدي إلى البدع في دين الله سبحانه وتعالى، فترى الناس يفعلون الشيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يخترعون شيئاً جديداً غير ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ما ورد في الحديث: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) فيفشي المسلمون السلام؛ لأن إفشاء السلام يغيظ أعداء الإسلام، ويحسدون المسلمين على ذلك، لكن اليوم لا يسلم المسلم على أخيه إلا إذا كان يعرفه، وتراه يزهد في السلام على أخيه كلما لقيه! والتسليم باليد فيه ثواب عظيم وفيه مغفرة وحب، فأنا حين أسلم عليك وأقول: السلام عليكم، فهذا فيه مغفرة من الله عز وجل.

كذلك بعض الناس يخترعون شيئاً في أمر السلام، فبدل أن يسلم بعضنا على بعض عند الافتراق، يقول الأول: لا إله إلا الله، ويردد الثاني ويقول: محمد رسول الله، نقول: الشهادتان هما أعظم كلمة في دين الله عز وجل، لكن ليس هذا وقتها، هذا من البدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليست الأولى بأحق من الأخرى) أي: إذا لقيت أخاك فسلم عليه، فإذا افترقتما فسلم عليه؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسلم حين الافتراق، أن أدعو لك وتدعو لي بالسلامة وبالحياة الكريمة الطيبة وبالبركة من الله، فلا داعي للبدع التي كثرت بين الناس.