[حرمة الإسبال على سبيل الخيلاء وكراهته بدون ذلك]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب صفة طول القميص والكم والإزار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء، وكراهته من غير خيلاء.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جر شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
وعن أبي جري جابر بن سليم رضي الله عنه قال: (رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه.
قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عليك السلام يا رسول الله -مرتين- قال: لا تقل: عليك السلام، عليك السلام تحية الموتى، قل: السلام عليك، قال: قلت: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإذا أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك، قال: قلت: اعهد إلي، قال: لا تسبن أحداً، قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة، قال: ولا تحقرن من المعروف شيئاً، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار؛ فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه) رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح].
هذه الأحاديث يذكرها الإمام النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب صفة طول القميص والكم والإزار وطرف العمامة، وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء، وكراهته من غير خيلاء.
والمقصد من الباب: أن المسلم إذا لبس ثيابه فعليه أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن يطبق شرع الله عز وجل في ذلك، وألا يجري وراء الموضة والهوى، ووراء تقليد المشركين والكفار في أفعال يضلون بها الناس، ولكنه ينظر إلى ما كان يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى ما جرت عليه العادة في الأقوام في لباسهم فيلبس كما يلبسون مقتدياً بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، فإن كان شيئاً من أفعال أهل الباطل من موضات ونحوها يوافق زي المشركين بحيث تظهر المرأة مفاتنها أو يظهر الرجل عورته وغير ذلك، أو تكون الثياب مما يستعمله المشركون في شعائر دينهم، فلا يجوز له أن يفعل ذلك.
ويجب أن تكون الثياب طويلة للمرأة حتى تسترها أثناء سيرها، أما الرجل فلا بد أن يكون الإزار أو القميص أو البنطلون الذي يلبسه إلى فوق الكعبين (عظمتي الساقين) ولا يجوز أن يزيد عن ذلك، فإن فعل ذلك فإما أن يفعله خيلاء وإما أنه يسترخي منه بغير قصد، فإذا استرخى بغير قصد فقد يتركه وقد يرفعه، فإذا رفعه فقد أحسن وإذا تركه كره منه ذلك، أما إذا تعمد أن يصنعه طويلاً بأن طلب من الخياط أن يجعله مجرجراً في الأرض باعتبار أن هذه هي الموضة، أو ليمشي بين الناس على أنه إنسان غني فهذا هو المحرم.
إذاً فعلى قول النووي أنه إذا فعل ذلك على سبيل الخيلاء فقط فهو حرام، فإن قيل: كيف يكون هذا التحديد بين الخيلاء وغير الخيلاء؟ الآن لو جئت إلى أكبر المغرورين على الأرض وقلت له: أنت مغرور وتلبس الثياب خيلاء، لقال لك: لست مغروراً ولا ألبسها خيلاء، فلا يوجد إنسان يذم نفسه.
إذاً فكونه يذكر ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (من جر ثوبه خيلاء) فكأنه تعمد أن يصنع الثوب على هذه الصورة، كما أن الذي لا يصنعه خيلاء تعمد أن يصنع الثوب على ما جاء في شرع النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون أقصاه إلى الكعبين، وهذا الذي صنع ثوبه أو بنطلونه على طول الكعبين قد يسترخى منه، فهل جر ثوبه خيلاء؟ ف
الجواب
أنه لم يتعمد ذلك لا في صنعه ولا في لبسه، فهذا ليس خيلاء، لكن يكره له أن يمشي على هذه الحال.
وهذا سيدنا عمر وهو في مرض الموت يأتيه شاب من الأنصار إزاره مجرجر على الأرض، فقال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.
فلو أنا مشينا على ما يعتقده كل إنسان في نفسه، فسنلغي كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فكل إنسان يلبس القمصان طويلة أو البنطلونات طويلة مجرجرة على الأرض ويزعم أنه لا يلبسها خيلاء.
فهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صلاة المسبل) وقال: (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) فيعذب عليه صاحبه في النار لأنه تعمد ذلك.
ومن الأحاديث التي أتت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جر شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) قال: (من جر شيئاً خيلاء) يعني: من الإزار أو القميص أو العمامة.
وذكرنا قبل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، فقال أبو ذر بعد أن قالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: المسبل) الذي يطول هذه الأشياء؛ لكي يتحدث الناس عنه بأنه أشهرهم وأعتاهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والمنان) يعني: الذي يعطي الهدية والصدقة ويهب الهبة ثم يمن على من أعطاه ذلك.
قال (والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) أي: الذي يبيع السلعة فيكذب على المشتري فيقول: إنها أفضل ما يكون، وهو يبيعها برخص لحاجته إلى ثمنها وهو كاذب فيما يقول.