بيان ما يستحب لمن حضر ميتاً
باب ما يقوله بعد تغميض الميت.
إذا مات الإنسان وعنده أحد فيستحب له أن يغمض عينيه، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح إذا خرجت تبعها البصر؛ إذ الميت ينظر إلى روحه وهي تخرج وتصعد إلى السماء، فالسنة في هذا تغميض عين الميت؛ حتى لا يبقى منظره مفجعاً وغير حسن.
فإذا أغمضت عينيه فادع له بخير، ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه عليه الصلاة والسلام، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله) وكأنهم كانوا غير عالمين بموته، فلما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ضج ناس من أهله ورفعوا أصواتهم بالبكاء، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير) أي: احذروا ولا تدعو على أنفسكم إلا بخير عند قبض روح الميت؛ لأن الملائكة موجودة، فإذا دعا الإنسان على نفسه بالويل والثبور، أو دعا على نفسه بالمصيبة فإن الملائكة تؤمن على ما يقول.
وإذا دعا بخير له وللميت فإن الملائكة تؤمن على ما يقول أيضاً، فاختر لنفسك، فالإنسان العاقل يعلم منذ أول الوقت أن الملائكة حاضرة، وأنها ستؤمن على ما يُدعى به، فيستغل الفرصة ليدعو بالخير والرحمة للميت، ثم يدعو بالرحمة للأحياء، ويدعو أيضاً بالخير لنفسه ولغيره في هذا الوقت.
فهنا لما ضج الناس من أهل أبي سلمة رضي الله عنه قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ثم علمهم صلى الله عليه وسلم ودعى فقال: (اللهم اغفر لـ أبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين! وأفسح له في قبره، ونور له فيه) فيستحب في الدعاء للميت هذا الدعاء الجميل العظيم الذي قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فتدعو للميت بقولك: اللهم اغفر لفلان، أو للميتة بقولك: اللهم اغفر لفلانة، وارفع درجته في المهديين، أي: فيمن هداهم الله وجعلهم أصحاب الدرجات العلى، واجعله معهم في الدرجات العلى، أي: مع هؤلاء الذين هديتهم ورفعت درجاتهم، فهديتهم يا ربنا بالإسلام، وبالهجرة إلى رسولك عليه الصلاة والسلام.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (واخلفه في عقبه في الغابرين) هذا دعاء لله عز وجل بأن يخلف أولاد هذا الميت.
وإنك مهما تختار من رجل ليخلفك على أولادك فلن يكون رجلاً كاملاً؛ إذ كل إنسان فيه نقص، أو لعله يقوم بالأمر الذي تريده ولعله لا يقوم، وأما أن يكون الله هو من يخلفك على أولادك فإنه يكفيك سبحانه، وكفى بربك سبحانه حافظاً ووكيلاً وخليفة على أهلك سبحانه وتعالى.
قال: (واخلفه في عقبه من الغابرين) يعني: كن أنت الخلف في عقبه ولا تحوج عقبه إلى أحد، فأنت يا رب وكلناك بأن تقوم بأمر أولاده وأهله، وتلبي أمورهم.
وقوله: (في الغابرين) من غبر بمعنى: من بقي في عقبه، أي: فكن أنت يا ربنا الوكيل والمتكفل بأمرهم، والمدبر لشئونهم، والحافظ والراعي لهم.
ثم تقول: واغفر لنا وله يا رب العالمين! فالإنسان لا ينسى نفسه من الدعاء أن يغفر الله له في وقت الموت؛ لأن الملائكة تؤمن على الدعاء فادع لنفسك بالخير.
قال: (واغفر لنا وله يا رب العالمين؛ وأفسح له في قبره) يعني: وسع له في قبره.
ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن القبر إما أن يوسع لصاحبه، وإما أن يضيق على صاحبه.
إذاً: فالقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، فالإنسان يدعو للمتوفى أن يفسح الله له في قبره، فهذا القبر الذي تراه ضيقاً يوسعه الله على عبده المؤمن مد بصره، فإذا حط المؤمن في هذا القبر، وذهب من عنده المشيعون إذا بالله عز وجل يضم عليه قبره، ثم يوسع له بفضله ورحمته سبحانه، فيصير القبر واسعاً جداً، حيث: يمد له مد بصره، ويصير له روضة من رياض الجنة، أو أنه يكون عذاباً على الكافر والفاجر فيكون حفرةً من حفر النار، والعياذ بالله.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي سلمة أن يفسح الله له في قبره.
وقال: (ونور له فيه) أي: اجعل فيه النور، ولا تجعله مظلماً عليه.
فهذا مما يقال في الدعاء للميت وقت خروج روحه أو بعد طلوعها.