[شرح حديث عمرو بن عبسة في إسلامه]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب في الرجاء.
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم.
وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال: (كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟ قال: أنا نبي، قال: قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، قال: قلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيئاً، قال: قلت: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد، ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قال: قلت: إني متبعك، قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس! ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني) وذكر الحديث.
فالإنسان المؤمن يرجو رحمة رب العالمين مما يسمع من آيات في كتاب الله سبحانه، ومما يسمع من أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا ييئس من رحمة رب العالمين أبداً، وهو الذي ذكر عن نفسه سبحانه أن رحمته وسعت كل شيء قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦].
وأخبر عن نفسه سبحانه أن رحمته سبقت غضبه، فالمؤمن يرجو رحمة الله، وإذا وقع في ذنب من الذنوب سارع وبادر إلى التوبة سبحانه، فإنه يعلم أن ربه غفور رحيم سبحانه، ويعلم أن ربه شديد العقاب، فإذا كانت عليه حقوق لأهلها أرجع الحقوق وأعادها إلى أهلها، واستحلهم من هذه الحقوق ومما وقع في حقهم من مآثم، ويتوب إلى الله عز وجل، فالله يتوب على من تاب.
فهنا في هذه الأحاديث حديث لـ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في صحيح مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار).
والمعنى: أن الله عز وجل يقبل توبة عباده ليل نهار، فالله عز وجل هو الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، والله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء مهما تعاظم ذنب الإنسان، فرحمة الله أعظم، فمهما كثرت خطايا الإنسان فإن رحمة الله أكثر وأكبر وأعظم، فجعل باباً للتوبة مفتوحاً لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، فالله عز وجل يتوب على عباده الذين يتوبون إليه.
وهنا عبر بهذه الكلمة الطيبة الجميلة: أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وأنه يدعو عبده، وعادة البشر فيما بينهم إذا بسط يده إلى إنسان كأنه يقول: تعال إلي تعال إلي وربنا ينادي عباده وخاصة في الليل في وقت السحر: (هل من تائب فأتوب عليه؟! هل من مستغفر فأغفر له؟! هل من سائل فأعطيه؟!).
فالله عز وجل كريم رحيم ودود يقبل من عباده توبتهم ويثيبهم الأجر، بل وقد يحول سيئاتهم إلى حسنات فضلاً منه وكرماً سبحانه، فيبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، فمن أساء بالنهار لا ينتظر النهار الآخر حتى يتوب إلى الله، ولكن ليتب حالاً إلى الله عز وجل، فمن وقع في الذنب بالليل فليتب حالاً إذا طلع عليه الصبح، أو إذا انتهى وراجع نفسه فليتب إلى الله سريعاً، فالمعنى هنا: أن العبد مهما أذنب وتاب إلى الله فإن الله يتوب عليه سبحانه.
فهذه التوبة مفتوحة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها كان من العلامات الكبرى لقيام الساعة التي إذا تحققت هذه العلامات كلها فإنه يختم على الناس الأحياء: هذا مؤمن وهذا كافر، ولا تقبل توبة بعد ذلك.
فإذا خرجت الدابة من الأرض ختمت على وجوه الناس: هذا مؤمن وهذا كافر، فيصبحون يتبايعون فيما بينهم، فيشتري الإنسان من الآخر ويقول له: يا كافر أعطني كذا، والكافر يقول: يا مؤمن! أعطني كذا، يكتب عليهم ذلك.
ولا تقبل توبة حين تظهر العلامات الكبرى للساعة، ومن ذلك خروج الدابة من الأرض، ونزول المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وطلوع الشمس من مغربها، وهي عشر علامات ستأتي في آخر الكتاب في المنثورات والملح إن شاء الله.