وحديث أبي برزة قد رواه الترمذي أيضاً، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه)، ففي يوم القيامة تزول الأقدام من الموقف وبعد ذلك إما الجنة وإما النار.
ويسأل العبد يوم القيامة عن عمره ماذا عمل فيه؟ والسؤال ليس عن سنة واحدة، أو شهر واحد أو أسبوع أو ساعة أو دقيقة، إنما هو عن العمر بكامله، فالعمر الذي يعيشه الإنسان يعيشه كأنه نوم أحلام، ولا ينتبه إلا عندما تأتيه الوفاة، وهو ولم يعبد الله تبارك وتعالى، فيقول:{رَبِّ ارْجِعُونِ}[المؤمنون:٩٩] فلا رجوع مرة أخرى إلى الدنيا.
فهنا يسأل عن هذا العمر بكامله: كم عبدت الله سبحانه؟ وكم عصيت الله سبحانه؟ وهذا العمر أفنيته في ماذا؟ (وعن علمه ماذا عمل به)، أي: ما هو الذي تعلمته من العلوم النافعة أو العلوم الضارة؟ هل شغلت نفسك بسفاهات وتفاهات الأمور، شغلت نفسك بما ينفعك في الدنيا وفي الآخرة؟ وهل عملت بما علمت؟ أم تركت هذا العلم وراءك؟ وهل تعلمت الكتاب والسنة وأحكام الفقه وعرفت أوامر الله سبحانه؟ وكيف صنعت في هذا الذي تعلمته؟ وتعلمت العلوم الدنيوية النافعة فهل انتفعت بها، ونفعت بها غيرك؟ أم أنك حجرتها على نفسك ولم تنفع بها أحداً من الخلق؟ فكل علم تعلمه الإنسان مسئول عنه يوم القيامة.
والإنسان الذي يتعلم شيئاً تافهاً ليضيع الوقت فيه ويسد به فراغه، حتى يضيع فيه الصلاة، فإنه سيسأل عن هذا الوقت بكماله يوم القيامة؟ وقوله صلى الله عليه وسلم:(وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)، والمال فيه آلام، فيسأل العبد عن ماله، هل هو من حلال أو من حرام؟ هل أنفقه هل في حل أم في حرمة؟ وقوله صلى الله عليه وسلم:(وعن جسمه فيم أبلاه)، أي: يسأل عن قوته وشبابه وقدرته فيم أبلاهن؟ هل في طاعة الله عز وجل وعبادته في الصلاة والصوم؟ هل أخرج عرقه في طاعة الله سبحانه؟ أم أنه ضيع ذلك في المعاصي، وأتلف بدنه فيما يسمه ويفسده ويتلفه ويهلكه؟