يقول ابن عمر رضي الله عنه:(كنا نتحدث عن حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع).
يعني: أن الصحابة كانوا يتكلمون أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم هذه هي حجة الوداع، ولكن لا يعرفون لماذا سميت حجة الوداع؟ وقد عرف البعض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكلمهم ويقول:(لعلي لا أحج بعد عامي هذا).
ويقول:(خذوا عني مناسككم لعلي لا أحج بعد عامي هذا)، وقام يودع الناس صلى الله عليه وسلم ويقول:(ألا هل بلغت! ألا هل بلغت! اللهم فاشهد) صلوات الله وسلامه عليه.
ففهم كبار الصحابة أن هذه هي آخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما الباقون فبقوا يقولون: حجة الوداع، حجة الوداع، ولا يدرون لماذا سميت حجة الوداع؟ ومنهم ابن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه.
قال:(حتى حمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، إلى أن قال: ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟)، يعني: بلغتكم أن هذه الأشياء محرمة.
فالأصل في مال المسلم أنه محرم عليك حتى يسمح لك، أو حتى يعطيك، أما أن تخدعه فليس لك ذلك، كأن تبيع له بأزيد من الثمن لتأخذ ماله، فليس لك ذلك، ولا يحل لك من مال أخيك إلا ما أباحه لك بطيبة من نفسه.
(إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟! قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد.
ثلاثاً.
ويلكم، أو قال: ويحكم!) كلمة للتحذير أو للترحم (لا ترجعوا بعدي كفاراً).
فكأنه يحذرهم، ويقول: إني ميت فلا ترجعوا بعدي كفاراً.
فلما قالوا: لن نرجع كفاراً، وكيف نكفر بالله بعدما عرفنا دين الله سبحانه؟! فهنا بين لهم أنه نوع آخر من الكفر، أي: متشبهين بالكفار، فقال:(يضرب بعضكم رقاب بعض)، أي: سفك الدماء، فكأن أفعال أهل الجاهلية أفعال الكفار، سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.
وكذلك يفعل المؤمنون في الهرج، فيتناسون دينهم، ويقتل بعضهم بعضاً، قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.