وهنا القيد، إذ قال:(وفرغ قلبه لله تعالى) فالذي يصلي يفرغ قلبه لله سبحانه تبارك وتعالى، فلا يصلي وهو يفكر في عمله، ولا يصلي وتفكيره حول فلان، ولكن ليفرغ قلبه، وهذا عزيز وصعب أن يدخل الإنسان في الصلاة ويتفرغ بكله إلى الصلاة، فهذا صعب على الإنسان إلا من أعطاه الله سبحانه ومن عليه بذلك، لذلك يحاول المسلم جاهداً في ذلك، ويأتي الشيطان على الإنسان فيختلسه شيئاً من صلاته، فيرجع مرة أخرى لصلاته، ثم يرجع إلى تدبره، فيأتي الشيطان ليلهيه ويذكره بشيء في البيت وبشيء في السوق، وبشيء في كذا، فكلما خرج عن صلاته فهو اختلاس يختلسه الشيطان منه.
ولذلك جاء في الحديث:(إن العبد ليصلي الصلاة ليس له منها إلا عشرها، إلا تسعها، إلا ثمنها، إلا سبعها، إلا سدسها، إلا خمسها، إلا ربعها، إلا ثلثها، إلا نصفها)، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن الغالب من أحوال الناس أنهم لا يخرجون بصلاة كاملة.
فإذا كان الإنسان قد فرغ قلبه في صلاته لله رب العالمين، وخرج من هذه الصلاة بفضل من الله وكما قال سبحانه:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:٢٧] فيقبل هذه الصلاة ويغفر لهذا العبد، وينصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه.
فالإنسان المؤمن يعود نفسه على الانتباه في صلاته، وعلى ذكر الله سبحانه، والتدبر الذي قال لنا ربنا فيه:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤] فالمؤمن يتدبر آيات الله سبحانه، فإذا جاء الشيطان واختلس منه شيئاً لا يترك نفسه مع الشيطان، ولكن ليرجع بسرعة ويتدبر ويتأمل، حتى يكون في النهاية من المتدبرين الخاشعين في صلاته وله هذا الأجر، فإذا دخل في الصلاة خرج منها كهيئته يوم ولدته أمه.
وإذا أحسن الوضوء والصلاة وفرغ قلبه لله، فهذه هي الصلاة التي ذكر الله لنا، قال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}[العنكبوت:٤٥] فهذه هي الصلاة المقبولة التي قبلها الله فأعطى الإنسان بها نوراً في الدنيا ونوراً يوم القيامة، وجعلها تنهى هذا الإنسان عن الفحشاء والمنكر.