فالمثال هو نفسه؛ ماء نزل من السماء اختلطت به هذه الأرض فأخرجت محصولها وأخرجت ثمارها وأشجارها، وفجأة أصبح ذلك هشيماً تذروه الرياح، فهذا النبات يبس، وبعد ذلك تغير وأصبح هشيماً تطيره الرياح، وكذلك الحياة الدنيا سرعان ما تقبل وسرعان ما تدبر.
والإنسان لا يستشعر ذلك في وقت بهجة الدنيا، فعند بهجة الدنيا يحس أنه سيعيش كثيراً، ويحس أن المجد فيه، وأنه لا ينفد، وأنه قادر، ولكن في وقت فوت هذا كله يتذكر الإنسان فيرى أن الدنيا منام لم ير فيه سوى الأحلام، وتمر الدنيا كمرور المنام على الإنسان، ومهما طالت فإنه عند الموت يستقل الإنسان هذه الدنيا، ويقول: يا ليتني عملت أفضل مما فعلت.
ثم قال تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف:٤٦]، فتزين بذلك في الحياة الدنيا، ولير ربك عليك أثر نعمته، ولكن لا تطغ بهذه الدنيا، فالباقيات الصالحات خير ما يبقى لك من عمل، وهي خير مما أخذته وأنفقته في هذه الدنيا، ولذلك قال سبحانه:{خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:٤٦] يعني الباقيات الصالحات.