أخرج الترمذي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاماً في ستة من أصحابه) أي: كان في مرة من المرات جالساً ومعه ستة من أصحابه يأكلون من قصعة فيها طعام يكفي هؤلاء الستة، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه معه، وكانوا في بداية الطعام، قالت (فجاء أعرابي وجلس فأكل الطعام كله بلقمتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه لو سمى لكفاكم) أي: لو أن هذا الأعرابي الجاهل قال: (باسم الله) لكفاكم هذا الطعام.
فذكر الله عز وجل يجعل البركة تحصل في الطعام، ويجعل الإنسان يخاف من الله عز وجل، فالأكل موضوع، والذي يمنع الإنسان من أن يمد يده فيأكل ما أمامه إلا أن يتذكر ربه سبحانه، فيخاف من الله أن يحاسبه على ذلك، فلو أن هذا الأعرابي قال:(باسم الله) فذكر الله لاستحيى من كونه يقصر الأكل كله على نفسه ويأخذه كله من أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومن أمام أصحابه، ولأكل على تؤدة، ولكفى الطعام الجميع.
ولكن الإنسان الذي لا يذكر الله يزين له الشيطان شهواته، ويقول له: كل لكي تشبع، فلن تجد أكلاً مثل هذا بعده.
فيمد يده ويأكل الطعام كله، ويترك من أمامه لا يجدون شيئاً! فالتسمية تحدث البركة في الطعام، وبها يجعل الله عز وجل في قلب الإنسان التقوى التي بها يحافظ على نفسه وعلى غيره، بل يؤثر غيره على نفسه، فحين يأكل ويرى غيره لا يأكل يقول: هو أولى مني بهذا الشيء.
فيعطي الطعام لغيره وحينئذٍ يكفي الجميع.
ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة أو الأربعة)، فإذا أكل الإنسان بمعدة كاملة أكل الطعام كله، وإذا أكل وترك شيئاً لنفسه وشيئاً لشرابه أمكن أن يأكل آخر معه فالطعام الهنيء الطيب يكفي عدداً من الناس.
فإذا قال الإنسان:(باسم الله) حدثت التقوى في قلبه، فآثر غيره على نفسه، وأشبعه الله عز وجل بالذي أكله وجعل في الطعام بركة، وأبعد الشيطان عنه.