[اعتراف اليهود بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتعاطسهم عنده لنيل دعائه لهم بالرحمة]
حديث آخر لـ أبي داود والترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه قال:(كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) واليهود قوم فيهم العجب العجاب، فهم كفرة مجرمون يخونون ويخدعون، حتى إنهم ليخادعون الله سبحانه وتعالى، فيعملون المكر والحيل حتى على ربهم سبحانه وتعالى، وهم يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين، واستيقنوا بذلك، قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة:١٤٦].
ويقسم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله سبحانه الذي أرسل موسى وأنزل عليه التوراة فيقول: تعلمون أني نبي الله؟ يقولون: نعرف أنك نبي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: لم لا تؤمنون بي؟ فكونهم قالوا: أنت نبي ليس لهم شأنٌ في دينه عليه الصلاة والسلام، فبعضهم يقول: نخاف أن تقتلنا يهود، فيضنون بأرواحهم على هذا الدين العظيم، والكثيرون منهم يتغابون في ذلك، ويقولون: لا نعرف أنك نبي، أنت نبي للأميين فقط، لست نبياً للمؤمنين، وهذا الكلام كلام متناقض، إذ من يقول: إنه نبي، معناه: هو معصوم وأنه لا يكذب، والنبي يقول: أنا نبي أرسلت إليكم وإلى الناس كافة، فكونهم يقولون له: لا، أنت نبي الأميين فقط! فيه تناقض، إذ كيف يقول: أنت نبي، يعني: أنت معصوم وأنت لا تكذب ثم يقول: لا، أنت نبي للأميين، هذا من تناقضهم وكذبهم وخداعهم.
فاليهود عرفوا أنه نبي، وكان يتحداهم صلوات الله وسلامه عليه ويقول لهم: تمنوا الموت إن كنتم صادقين، ولو تمنوا الموت لماتوا حالاً وعرفوا ذلك، فلما تحداهم قالوا: انصرف يا أبا القاسم! لا نريد أن نتمنى الموت، والله عز وجل يقول ذلك في كتابه سبحانه:{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الجمعة:٦]، ويسألهم النبي صلى الله عليه وسلم من أهل النار؟ يقولون: ندخل فيها سبعة أيام ثم تخلفونا فيها أنتم بعدنا، فيقول صلى الله عليه وسلم:(اخسئوا! والله لا نخلفكم فيها أبداً) أي: يدخل اليهود النار ويخلدون فيها ولا يخرجون منها.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسألهم وهم يكذبون، فهم يقولون:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة:١٨] إذاً: تمنوا الموت إن كنتم صادقين، فالذي يقول: أنا ابن الله وأنا حبيب الله، والله سيدخلني الجنة، إن كان صادقاً فليتمن الموت كي يدخل الجنة التي يزعمها، قال تعالى:{وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[الجمعة:٧].
فهم عرفوا أن القرآن حق، وعادة الإنسان الذي يتحدى يأبى التحدي، فاليهودي لا يقدر أن يقول: يا رب خذني! يا رب خذني! لكن الكفار من قريش قالوا ذلك، فأماتهم الله عز وجل في يوم بدر، وقتلوا شر قتلة، وكانوا من أهل النار، أما اليهود قالوا: لن نتمنى الموت، وربنا أخبر بذلك، قال تعالى:{وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا}[الجمعة:٧]، وقال تعالى:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[البقرة:٩٥].
فهم يعلمون أن الله سبحانه لن يمهلهم إذا تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا الموت، فإن الله سيميتهم فلم يفعلوا هذا الشيء.
وتعجبت حين قرأت قبل أشهر قليلة في جريدة أخبار اليوم أن رجلاً من كندا كان كافراً لا يؤمن بوجود الله فقال له شخص هناك: يا أخي! آمن واعرف دين ربك، فقال: ليس هناك إله أصلاً، وتبجح عليه وقال له: لو كان هناك إله فاجعله ينزل علي صاعقة تأخذني من السماء، يقولون: وحالاً تلبدت السماء بالغيوم وإذا بصاعقة تأتيه فتصعقه! فهذه قصة عجيبة جداً للإنسان الذي يتحدى ربه سبحانه، يظن أنه لا يفعل به ذلك، فاليهود لم يقبلوا وتحدوا وقالوا: لا، لن نتمنى الموت، فكانوا يذهبون رجاء أن يرحمهم الله على كفرهم، فيقولون: هذا نبي، ودعوة النبي مستجابة، فلنذهب إليه ونطلب منه أن يدعو لنا بالرحمة، فكان لا يدعو لهم بالرحمة صلى الله عليه وسلم، إنما يدعو لهم بالهداية، كيف يرحمهم وهم لم يدخلوا في الدين، فإذا لم تدخلوا في الدين لا تستحقون إلا أن ندعو لكم بالهدى، فكانوا يتعاطسون، والكبر يمنعهم أن يقولوا: يا رسول الله! ادع لنا، فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويعطس ويقول: الحمد لله، وينتظر أن يقول له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمكم الله، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم:(يهديكم الله ويصلح بالكم).
فكان يدعو لهم بالهدى ولا يدعو لهم بالرحمة صلوات الله وسلامه عليه، قال: يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله فيقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم)، يدعو لهم بالهدى وصلاح الحال.