للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل قراءة القرآن]

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) القراءة هنا معناها: احفظوا القرآن، وهذا حث من النبي صلى الله عليه وسلم لنا على أن نحفظ كتاب الله، فإن لم تقدر على الحفظ فاقرأ القرآن قراءة، فتقرأ القرآن وترتل القرآن، ولكن الأصل أن تهتم بالحفظ، والله عز وجل قد يسر القرآن للذكر كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر:١٧]، وفي البداية الحفظ يكون ضعيفاً، والإنسان الذي ظل سنين لا يحفظ شيئاً لن يستطيع أن يحفظ، ولكن بالتمرس شيئاً فشيئاً يستطيع أن يحفظ، ولابد من التنافس في ذلك مع المتنافسين في طاعة الله سبحانه وتعالى، ولن تعدم أن تجد وقتاً للحفظ ولو في اليوم ساعة أو نصف ساعة، أو أقل أو أكثر.

وحفظ القرآن يحتاج منك مجهوداً، وإذا عرفت الثواب فإنه يعطيك حافزاً لحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، وكم رأينا من أناس حفظوا كتاب الله سبحانه مع كبر السن، فإنسان ذهب يبحث عن الرزق وقال: لا أستطيع أن أحفظ القرآن، وفجأة خلال ثلاث أو أربع سنوات حفظ القرآن كله، وامرأة عجوز لا تقدر على الحفظ، ولا على القراءة، فتعلمت القراءة والكتابة، ولا تستطيع أن تقرأ غير القرآن، فحفظت القرآن كله، ألا يدفعك هذا إلى أن تحاول أن تحفظ القرآن وعندك الوقت وعندك الجهد وأنت ما زلت شاباً صغيراً تقدر على ذلك؟! فتحتاج إلى أن تبذل جهداً.

فحاول أن تحفظ كتاب الله عز وجل وأحسن نيتك، وأخلص لله تجد الأمر سهلاً؛ لأن الذي وعد بذلك هو الله عز وجل الذي أخبر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر:١٧]، وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].

وإذا حاولت ولم تقدر فإن محاولتك تكفيك ويكون لك الأجر عند الله عز وجل، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

يقول: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) يعني: يأتي يحامي عن أصحابه حفاظ القرآن، وقد ذكرهم أنهم أهل الله، فقال: (إن لله أهلين من أهل الأرض) فهؤلاء الأهل هم حفاظ القرآن فهم أهل الله سبحانه، فكرمهم الله عز وجل بهذه الإضافة وبهذا التشريف.

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به).

فأهل القرآن هم حفاظ القرآن، ولكنه أتى هنا بشرط فذكر الحافظ لكتاب الله عز وجل الذي كان يعمل به، فلم يحفظه رياء وسمعه، ولم يحفظه نفاقاً، ولم يحفظ القرآن ليجادل به بالباطل، ولا ليقال عنه: حافظ، ولا ليقال عنه: عالم، ولا ليقال عنه: قارئ، وإنما حفظ القرآن طاعة لله وحباً لله سبحانه وتعالى، وحباً في كتاب الله عز وجل، وخدمة لدين الله، فهذا الذي يؤتى به يوم القيامة كما جاء في الحديث: (تقدمه سورة البقرة وآل عمران) فتقدمه هاتان السورتان، وهما أعظم سور القرآن بعد الفاتحة، (تحاجان عن صاحبهما) وهذا الذي تتقدم أمامه سورة البقرة وسورة آل عمران لتدافع عنه يحسده أهل الموقف؛ لأنه يأتي ومعه من يدافع عنه، وغيره يأتي وحده، ألا يدفع هذا المسلمَ إلى أن يحاول أن يحفظ سورة البقرة وسورة آل عمران؛ لأجل هذا الموقف العظيم بين يدي الله عز وجل، فيجد من يحامي ويدافع عنه ومن يظله يوم القيامة.

يقول عثمان رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه) (خيركم) أي: خير المؤمنين الذي يتعلم القرآن، ويحفظ القرآن، ويتفهم معانيه، ويتدارس القرآن، واشترك في الفضيلة العالم والمتعلم، المدرس والدارس، فكلاهما اشتركا في الفضيلة.