[الأمر بغض الأصوات في المساجد]
ثم يقول: (إياكم وهيشات الأصوات).
أي: ضجيج الأسواق ورفع الصوت، والأسواق أماكن وجود الشياطين براياتها، فلا يصير المسجد مثل السوق، برفع الصوت، بل نتعلم أدب المسجد في عدم رفع الصوت فيه، وأحياناً نستحيي من كبار السن عندما تكون أصواتهم عالية.
وبعض إخواننا أحياناً يصلون جماعة ثانية، والجماعة الثانية مختلف فيها، والجمهور على جوازها، والإمام الشافعي على عدم جواز الجماعة الثانية، والفضيلة في الجماعة الأولى، والجماعة الثانية لها فضيلة ولكنها ليست كالأولى.
أحياناً يصلي في الجماعة الثانية ثلاثة رجال فيرفع الإمام صوته حتى يسمع الدنيا كلها، لماذا تسمع الناس؟ لست إمام المسجد، أنت إمام لإثنين فقط لا أكثر من ذلك، والبعض أحياناً يعلل رفع صوته لكي يسمعه من أتى متأخراً فيصلي معه، فنقول له: ليس بفرض عليه أن يصلي معك، ولكن إذا علم صلى معك وإلا فلا، وهو معذور.
فنحن نصلي السنة والمسجد ممتلئ وصاحبنا يرفع صوته: الله أكبر، كأنه يقول للناس كلهم: اسكتوا فأنا موجود! وهذا خطأ، ولكن إذا كنت تقرأ فأسمع من خلفك فقط، ولا تزعج الناس.
أو دخلت المسجد وفيه درس علمي في الدور الأول فلا تحدث جماعة في الدور الأول وتشوش على الناس ويشوشون عليك، واصعد الدور الثاني إذا كان فارغاً وصل فيه أو في الثالث إذا كنت تقدر على ذلك.
وإذا لم تصعد وصليت فإنك تسمع من معك فقط، ولا تلزم الناس أن يسكتوا لك، أنت الذي أسأت بالتأخر عن الجماعة، فصل وأسمع من معك فقط ولا تشوش على غيرك، وأيضاً غيرك لا يشوشون عليك بقدر المستطاع.
وقوله: (إياكم) تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم أن تشبه المسجد بالسوق، ويا حبذا أن يذكر بعضنا بعضاً، فعندما تسمع أحدهم يرفع صوته تنبهه، وأنا أفعل ذلك بحسب المستطاع، أحياناً قبل الصلاة أجد من يشغل غيره بذلك فأقول له: انشغل بالدعاء أفضل، هذا وقت إجابة دعاء إلا لحاجة من الحاجات فصوتك تسمع به من بجوارك فقط.
بعض الناس تقول له: اخفض صوتك، يقول: صوتي هكذا، كذلك الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم فرآه يأكل بشماله، فقال: (كل بيمينك.
قال الرجل: لا أستطيع، ما منعه إلا الكبر) فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا عليه قال: (لا استطعت).
إما أنك صادق فلا عليك أو كاذب فتستحق العقوبة، قال: (فما رفعها إلى فيه)، وشلت يده.
إذاً: اغضض من صوتك، وتذكر قول الله: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:١٩].
اخفض صوتك ولا ترفعه فتزعج الناس به في المساجد، والطرقات، والبيوت، بل تعود أن يكون صوتك منخفضاً، فإذا كنت تحتاج لرفع الصوت في خطبة أو غيرها فبحسبها، لا تخطب والخطبة كلها من أولها إلى آخرها صياح، ولكن الخطب مواقف، لا تقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته في الخطبة كلها، فإن راوي الحديث يقول: (كان إذا ذكر الموت صلوات الله وسلامه عليه علا صوته، واشتد غضبه، واحمر وجهه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم)، فليست الخطبة من أولها إلى آخرها إزعاج، ولكن يرفع صوته عند الاحتياج إلى ذلك، ويخفض صوته عند عدم الاحتياج للرفع، والخطبة المقصود منها عظة وتعليم الناس لا إزعاج الناس برفع الصوت.