للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضائل تعلم القرآن وتعليمه وتلاوته]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين على حفظ كتاب الله عز وجل بقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

كذلك جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).

وهذا الحديث الذي رواه مسلم موافق لما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة)، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن قارئ القرآن بالأترجة، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن، ولا يحفظه بالتمرة، والمنافق الذي يقرأ القرآن ويحفظه شبهه بالريحانة، والمنافق الذي لا يقرأ القرآن ولا يحفظه بالحنظلة.

فهذه أربعة أمثلة لمؤمن يحفظ، ومؤمن لا يحفظ، ومنافق يحفظ، ومنافق لا يحفظ.

فالقرآن إذا حفظه المؤمن فإن النتيجة من ذلك تكون عملاً صالحاً، وحسن الخلق، والتقرب إلى الله عز وجل بالعبادة، وتحبباً إلى الخلق بما يؤديه إليهم من منافع؛ (فخير الناس أنفعهم للناس).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)، أي: بالقرآن العظيم، فإذا حفظه أحد وعمل به فإن الله عز وجل يرفعه درجات عالية، وإذا حفظه يريد به الدنيا فإن الله عز وجل يضعه، وهو يظن أنه وصل، ولم يصل إلى شيء؛ لأنه جعل أعظم الأشياء وأجملها وأحسنها وأفضلها طريقاً يطلب بها أشياء حقيرة لا قيمة لها.

ولذلك فينبغي على الإنسان الذي يحفظ القرآن العظيم أن يطلب به الآخرة، ولا يطلب به العلو في الدنيا، وإذا علا في الدنيا بسبب ذلك نفاقاً ورياءً وسمعة فإن الله عز وجل يزيل منه ذلك يوماً من الأيام، فيضعه بذلك.

وإذا أراد أن يرتفع على الناس بسبب أنه يحفظ القرآن، طلب الدنيا والرفعة به وليس لطاعة الله، وإذا اغتر على الخلق وجادل العلماء ومارى السفهاء، وأظهر حسن الصوت، وأظهر أنه أفضل من غيره يريد الدنيا بذلك، فإنه يكون أحد أول من تسعر به النار يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، -وذكر منهم- رجل حفظ القرآن فأتى به ربه يوم القيامة، وعرفه نعمه وقال: ما عملت فيها؟ قال: قرأت فيك القرآن وأقرأته، -أي: تعلمت القرآن وعلمته- فيقول له: كذبت كذبت كذبت، إنما قرأت القرآن ليقال: قارئ)، فهذا الذي حفظ القرآن من أجل الشهرة والسمعة بين الناس، فهو لم يطلب الدرجة عند الله عز وجل، وإنما طلب حقارة الدنيا، وقد قيل، فيؤمر به إلى النار.

فإن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً في الدنيا بزهدهم وبصلاحهم وبحبهم لله وبإخلاصهم له، وفي الآخرة يرفعهم درجات بما يحفظونه من آياته سبحانه.

(ويضع به آخرين) أي: الذين قرءوا القرآن ولم يتجاوز شفاههم وحناجرهم، ولم يدخل إلى قلوبهم، فهم لم ينتفعوا به في الدنيا ولا في الآخرة.

وأيضاً للحديث معنىً آخر وهو: أن الله جعل هذا القرآن شريعة ومنهاجاً، فمن آمن وأطاع الله وأقبل على القرآن من الناس رفعه الله سبحانه وتعالى، ومن حاد الله وشاق دينه سبحانه وتعالى، وأصر على الكفر وضعه الله سبحانه وتعالى وأذله، والنبي صلى الله عليه وسلم قد وعده ربه سبحانه أن ينتشر هذا الدين، ولا يترك بيت مدر ولا حجر إلا ودخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله.

وهذا معنىً آخر لهذا الحديث، فإن الله يرفع المؤمنين المتمسكين بهذا القرآن، المطبقين لأحكامه، الآخذين به بقوة في الدنيا والآخرة، بجهادهم في سبيل الله سبحانه، وبنشرهم دين ربهم سبحانه.

(ويضع به آخرين) أي: الذين ينافقون، ويجرمون في حق الدين وحق الإسلام، والذين يعادون دين الله عز وجل فأبى الله إلا أن يذل من عصاه.