[مدح الصالحين بأنهم أذلة على المؤمنين]
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، وقال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨].
إن دين الله دين عزيز، وكتاب الله كتاب عزيز، وربنا سبحانه وتعالى هو القوي العزيز، وأنت أيها العبد تحتاج إلى الدين، والدين لا يحتاج إليك، وتحتاج إلى رحمة رب العالمين، والله ليس محتاجاً إليك، وتحتاج إلى كتاب الله عز وجل ليكون نوراً في قلبك، وكتاب الله في غنى عنك.
فالإنسان المؤمن يتقرب إلى ربه سبحانه يبتغي فضله ورحمته، ويدعو ربه أن يملأ قلبه بنور الإيمان، فهنا يقول لنا: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨] يعني: إذا توليتم فلن تضروا الله شيئاً، لا يضر أحدكم إلا نفسه، فإذا توليت عن الطاعة استبدل الله غيرك، واستخلف غيرك ممن يستحق أن يدخل الجنة، وهذا الذي أعرض لا يستحقها، وقوله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨] أي: يكونوا أفضل منكم.
فلو أن إنساناً يرتد عن دينه فهل الدين سيخسر بارتداده؟ لن يخسر شيئاً؛ لأن دين الله عز وجل دين عزيز عظيم، ولكن الذي يخسر هو المرتد، ويأتي الله عز وجل بغيره ممن يحب هذا الدين ويحب المؤمنين، قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] أي: الله يحبهم الله وهم يحبون الله سبحانه وتعالى.
قوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:٥٤] هذه صفة الإنسان المؤمن أن يخفض جناحه ويذل لإخوانه المؤمنين، فالمؤمنون يذلون أنفسهم لإخوانهم، ولا يستكبرون، بل يتواضعون بين إخوانهم، قد يكون أحدهم صاحب مال وصاحب غنى وصاحب منصب، ولكن في وسط المؤمنين هو واحد منهم، يتواضع لهم فيحبهم ويحبونه، يتألفهم ويتألفونه، فالمؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
فهؤلاء المؤمنون الذين هم أذلة على المؤمنين كيف حالهم مع الكافرين؟ {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤]؛ لأنهم تمسكوا بدين الله عز وجل، فهو دين عزيز، وكتاب عزيز من رب عزيز سبحانه وتعالى، فأعطاهم العزة، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨].
فالعزة لله عز وجل يعز من يشاء ويذل من يشاء، فلما أذل المؤمنون أنفسهم لربهم سبحانه، وتواضعوا بين المؤمنين إذا بالله يكسبهم العزة، فإذا به في موطن الجهاد والقتال مع أعداء الله يعزهم ويرفعهم سبحانه، {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:٥٤].
أي: هذا الفضل العظيم فضل الله سبحانه، ولا يحصل هذا الفضل بكسب يكتسبه الإنسان بمال أو منصب، وإنما بتقواه لله سبحانه، وبحبه لدين الله، وبتواضعه، فيرفعه الله سبحانه ويعزه.