[من آداب المجلس عدم التفريق بين الاثنين]
روى البخاري من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى).
صلاة الجمعة هي عيد المسلمين في كل أسبوع، فهذا يوم عظيم جداً، يستجيب الله عز وجل فيه الدعوات، فيه ساعة إجابة يستجيب الله عز وجل فيها لعبده، والمؤمن يهيئ نفسه ليستجيب الله عز وجل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص أن يصلي الفجر في هذا اليوم فيقرأ بسورة السجدة وسورة الإنسان؛ لما فيهما من ذكر بدء الخلق، ومن ذكر القيامة، ومن ذكر الجنة والنار.
ويوم الجمعة هو اليوم الذي خلق فيه آدم، وأنزل فيه آدم من الجنة، واليوم الذي تقوم فيه الساعة، ما من مخلوق إلا وهو يشفق من يوم الجمعة إلا الإنس والجن، فيوم الجمعة يذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم من أول صلاة الفجر بهذا اليوم، وما في هذا اليوم من ذكر الساعة وغير ذلك.
يوم الجمعة فيه الذهاب إلى بيت الله سبحانه، فتذهب مبكراً إلى صلاة الجمعة ولا تتأخر عنها، وكلما أتيت مبكراً قبل أن يأتي الإمام كتب اسمك في صحف الملائكة، فالملائكة يجلسون على أبواب المساجد يكتبون الداخلين الأول فالأول، فإذا حضر الإمام وبدأ بالخطبة جلست الملائكة يستمعون الذكر، فلا تحرم نفسك من أن تكتب في الصحف التي بأيدي الملائكة بأن تتواجد في صلاة الجمعة قبل حضور الإمام.
كذلك هنا أدب من الآداب، يقول لنا صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر)، فيه تأكيد على الاغتسال يوم الجمعة، وهي سنة مؤكدة ليوم الجمعة ولصلاة الجمعة، فتحرص على ذلك، ثم تتطهر ما استطعت من طهر، وتدهن من دهن، بمعنى: يضع الطيب وهو في بيته إذا وجد أو يمس من طيب بيته.
قال: (ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين)، إذا جاء يوم الجمعة ودخل المسجد لا يفرق بين الناس، فإذا أراد أن يجلس انتظر حتى يوسع له الناس، فإذا لم يوسع له أحد يجلس وراء الناس حيث ينتهي إليه المجلس.
قال: (فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي)، وهذه سنة أخرى من السنن، أنك إذا أتيت إلى بيت الله سبحانه لا تنشغل بأمر من أمور الدنيا، ولكن انشغل بالصلاة وبالذكر والتسبيح في هذا اليوم قبل حضور الإمام، فيقول لنا هنا: (صلى ما كتب له) يعني: ما يعلم الله عز وجل من صلاة، وليس معناه أنه صلى فريضة، ولكن ما كتب له عند الله أن يصلي، يعني: ما شاء الله له أن يصلي من صلاة، فيصلي الضحى ركعتين أو أربع أو ثمان أو ما كتب له ثم بعد ذلك يجلس.
قال: (ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام)، إذا حضر الإمام وبدأ يخطب ينصت ويصغي بسمعه ليستمع إلى الإمام بتفهم وتعقل، ولا يلتفت عما يقوله الإمام أو الخطيب، لا ينشغل بشيء من الأشياء ولا حتى بمس الحصى، فلا يقعد يلعب بيديه في الأرض في حصى أو في غيرها، فالذي يمس الحصى هذا من اللغو الذي نهينا عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس الحصى فقد لغى).
قال هنا: (ثم ينصت إذا تكلم الإمام)، فكل هذه الأشياء من يفعلها يكون له ما قال صلى الله عليه وسلم: (إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) يعني: الله عز وجل يغفر له ما حصل منه خلال الأسبوع! الله كريم وغفور رحيم سبحانه! جعل المكفرات للذنوب كثيرة من فضل الله ورحمته، فالصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها من صغائر الذنوب بشرط أن تجتنب الكبائر، بأن لا يسرق المؤمن ولا يزني ولا يأكل الرشوة لا يتعامل بالربا ولا يأخذ السحت ولا يختلس ولا ينتهب ولا يسفك دماً حراماً ولا يعق والديه ولا يقع فيما حرم الله عز وجل من كبائر الذنوب؛ فيستحق أن يغفر الله عز وجل له ما تقدم من صغائر الذنوب.
وترك الصلاة من الكبائر، فلو أن الإنسان ترك الصلاة طوال الأسبوع وصلى الجمعة إلى الجمعة فلا يظن أنه بذلك سيكفر عنه ما حصل منه خلال الأسبوع! بل لابد أن يتوب إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، ويأتي بما أمره الله عز وجل أن يأتيه، فيتوب توبة نصوحاً، ويصلي لله كل الأسبوع فتكون الجمعة كفارة له، أما كما يعمل كثير من الناس اليوم يترك الصلاة فلا تراه في المسجد إلا يوم الجمعة وباقي الصلوات يصلي أحياناً ويترك كثيراً، ويظن أنه بصلاة الجمعة يمحو الله عز وجل هذا الماضي؛ فهذا لم يقل به أحد.
قيد النبي صلى الله عليه وسلم هذا في الحديث الآخر فقال: (ما اجتنبت الكبائر)، ومن الكبائر: أن يترك الإنسان الصلاة، ويكفي في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).