عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير المجالس أوسعها) هذا حديث صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، فإذا كان المجلس ضيقاً يكون مملاً في آخر المجلس، ويضيق الناس من الجلوس فيها، فلا ينتبهوا لما يكون في هذا المجلس من درس علم ونحوه.
لكن إذا كان المجلس واسعاً ويجمع الناس كانت الرحمة أقرب من هؤلاء، لكن (خير المجالس أوسعها) معناه: الذي يسع أصحابه، بحيث يكون الكل مستريحاً في المكان، فهذا خير المجالس؛ فيؤدب الذي يأتي إلى المجالس فيضيقها على الناس.
كذلك أن يدخل الشخص في الصف أثناء الصلاة فيضيق على الناس في الصف فيزاحمهم حتى ربما يسقطون وهم واقفين! فنقول لهذا: من أجل الرحمة لا يجوز لك مضايقة المصلين في الصف، وضابط الصف حسب ما يسع من العدد من الناس دون أن يؤذي بعضهم بعضاً، ولا يكون في الصف بين الإنسان والإنسان فرجة كبيرة فيسمح للشيطان بالدخول فيها، ولا ينبغي للشخص أن يضيق على أخيه حتى يزهقه حال وقوفه، وإذا وجد فرجة في الصف وقف فيها، فإن لم يجد فليصل في الصف الذي يليه.
هذا الحديث الذي جاء عن أبي سعيد الخدري في رواية له عند البخاري في الأدب المفرد وعند ابن أبي شيبة أيضاً أنه أوذن أبو سعيد بجنازة في قومه، فكأنه تخلف حتى أخذ الناس مجالسهم، يعني: قالوا له: توجد جنازة فتعال من أجل أن تصلي عليها، فـ أبو سعيد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له فضل رضي الله عنه، والناس يعرفون فضله، ولذلك عندما سيذهب للجنازة سيوسعون له، فهو خشي من ذلك، فتأخر أبو سعيد رضي الله عنه حتى جلس الناس في أماكنهم ثم جاء فلما رآه القوم تشذبوا، يعني: لما رآه القوم الذين هم قاعدون أخذوا يوسعون لـ أبي سعيد فهم سيضيقون على أنفسهم من أجل أن يجلس معهم أبو سعيد، وقام بعضهم ليجلس في مجلسه، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير المجالس أوسعها)، ثم تنحى فجلس في مكان واسع، كأنه ابتعد ونظر مكان آخر واسعاً فجلس فيه.
فهذا أدب الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، يجلسون في مكان ويأتي إنسان يضيق عليهم حتى ولو كان هو أفضل هؤلاء الموجودين ليس له أن يضيق على الناس، ولكن يجلس حيث ينتهي به المجلس في مكان واسع حتى لا يضيق عليهم ولا يؤذيهم.