[الحياء وفضله والحث على التخلق به]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [كتاب الأدب: باب الحياء، وفضله، والحث على التخلق به.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه فإن الحياء من الإيمان) متفق عليه.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير)، متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) متفق عليه].
يذكر الإمام النووي رحمه الله في هذا الكتاب كتاب: الأدب، يعني: الأخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتخلق بها، وتدعوه الشريعة إلى التجمل بها، فبدأ بالحياء وهو من أعظم أخلاق المسلم، فالإنسان الذي لا يستحيي يقع فيما شاء من المعاصي (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) بمعنى: أن الإنسان عديم الحياء لا يرتدع عن شيء يصنعه.
وقد أثر عن أحد الصحابة أنه قال في الحياء: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها) صلوات الله وسلامه عليه، وأما فضل الحياء: فقد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن الحياء كله خير).
ومن الأحاديث أيضاً: ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، كأنه ينهاه عن الحياء ويؤنبه، فمر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤنبه في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعه، فإن الحياء من الإيمان)، فالإنسان الذي عنده حياء، قد يمنعه حياؤه من أشياء يريدها، لكن لا يضيع هذا الحياء عند الله عز وجل، فالحياء كله خير، والحياء من خصال الإيمان التي يرتفع بها العبد المؤمن عند الله سبحانه وتعالى.
وفي حديث متفق عليه عن عمران بن حصين يقول رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير)، حتى ولو فاتك شيء من الدنيا، ولكن الثواب الذي في الحياء عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فمن أعظم أخلاق المؤمن اتصافه بالحياء، وكان حياء النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يمنعه أن يقول للإنسان: أنت شرير، فكان يدخل عليه الإنسان فيقول النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخوله: (بئس أخو العشيرة)، فإذا دخل وجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا به يتبسم ويتكلم صلوات الله وسلامه عليه، فيقولون: تبسمت له وقد قلت عنه كذا وكذا؟! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (متى عهدتني فحاشاً؟) أي: إنني لا أفحش في الكلام، ولا أقع في خطأ في الكلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم تبسط وتبسم مع الرجل ولم يزجره لكون الحياء يمنعه من أن يقول له ذلك.
وقوله: (الحياء لا يأتي إلا بخير) وفي رواية: (الحياء كله خير)، يفهم من هاتين الروايتين: أن من فقد الحياء فقد فقد من الإيمان الواجب شيئاً كبيراً، فالإيمان هو الذي يمنعه من التبجح ويدفعه إلى الحياء.
وفي حديث لـ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة) يعني: خصال الإيمان، أو أعمال من أعمال الإسلام والإيمان، فأفضل خصال الإسلام وأفضل خصال الإيمان: كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، وأما أقل خصال الإيمان التي تدل على إيمان صاحبها فهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إماطة الأذى عن الطريق)، وهذه من خصال الإيمان التي يدعو إليها هذا الدين العظيم، وهي إماطتك الأذى عن الطريق، فإذا وجدت أذى فأمطه وإن لم تكن أنت الذي وضعته حتى لا يتأذى به الناس، ويفهم من هذا كذلك: أن الإنسان الذي يترك الأذى في الطريق فقد قدراً لا بأس به من الإيمان الواجب، فكيف بمن يحط الأذى في الطريق بنفسه، فيقوم بصب القمامة أمام الناس، أو يضع أمام بيوت الناس القمامة وقت صلاة الفجر أو أمام المسجد؟! فهذا ليس عنده من الإيمان الواجب ما يمنعه من ذلك.
ومن خصال الإيمان المفقودة عند الناس: أذى الجار وأذى الناس بوضع الأذى في الطريق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (والحياء شعبة من الإيمان) يعني: أن الحياء جزء من أجزاء الإيمان، أو خصلة من خصال الإيمان.
ومن الأحاديث كذلك حديث لـ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو متفق عليه أيضاً، يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها)، الخدر: الستر، وهو المكان الذي تستر فيه العذراء، يعني: الفتاة البكر التي لم تتزوج، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من هذه العذراء المستورة في بيت أبيها وأمها.