[شرح حديث عتبان (ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)]
كذلك من الأحاديث: حديث عتبان بن مالك، وهو حديث متفق عليه، وعتبان صحابي شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً، قال عتبان: (كنت أصلي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إني أنكرت بصري، وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار؛ فيشق علي اجتيازه).
معنى ذلك أنه إمام لقومه رضي الله تبارك وتعالى عنهم، وهم بنو سالم.
ومعنى (فأنكرت بصري) أنه بدأ يضعف مع تقدم السن فإذا جاء المطر سال الوادي فأصبح من الصعب أن يصل إلى المسجد ليصلي بالناس، فذهب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعمل مسجداً في داره في المكان الذي هو فيه، بحيث يصلي في هذا المكان ويصلي الناس معه فيه.
وهنا انظروا إلى أدب الصحابي رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)، فهذا إذن عام، ولكنه رضي الله عنه خاف من تفرقة المسلمين عندما يبني المسجد، فقال: لا بد أن أستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أولاً.
قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (فوددت أنك تأتي تصلي في بيتي مكاناً أتخذه مصلى)، فهو عندما يبني هكذا من نفسه الناس سينكرون عليه، سيقولون له: كيف تعمل هذا لوحدك؟! أنت تريد أن تفرق بين المسلمين فعندما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ويصلي في هذا المكان فهو دليل على أنه موافق ومقر بذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (سأفعل! قال: فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه بعدما اشتد النهار، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له).
جاءه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، ومعه أبو بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه، واستأذنه فأذن له.
قال: (فلم يجلس حتى قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟)، وانظروا إلى إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل، يكرمه بأنه لم يجلس أول ما دخل، وإنما قال: أين تريد أن أصلي لك؟ فهذا أدب عظيم منه صلى الله عليه وسلم، ورحمة عظيمة، وتلطف مع أصحابه.
ولاحظ أنه لم يختر المكان صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سأل صاحب البيت، قال: (فأشرت إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وصففنا وراءه، فصلى ركعتين، ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزير تصنع له)، صلوات الله وسلامه عليه، والخزير هي دقيق مطبوخ بدهن أو بشحم.
قال: (فسمع أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي)، كانت بيوتهم متجاورة يجمعهم حوش واحد، وهذا الآن نسميه عمارة، فهذا يسمى الدار، فهو مجموعة بيوت في مكان واحد أو سور واحد.
فسمع أهل الدار -يعني: مجموعة البيوت التي حوله- بأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده، قال: (فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت)، جاءوا كلهم لينالوا بركة وجود النبي صلى الله عليه وسلم في المكان.
(فقال رجل: ما فعل مالك لا أراه؟)، شخص يسأل: أين مالك لا أراه معنا؟ فرد عليه رجل فقال: (ذلك منافق، لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى، فقال الرجل: الله ورسوله أعلم، أما نحن فوالله ما نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين).
يعني: الله ورسوله أعلم، ولكن الذي نراه أنه دائماً يجالس المنافقين، فهم أصحابه وأحباؤه يتكلم معهم، فهو مثلهم، وهنا لعل الرجل يجلس معهم ليدعوهم؛ لأن بينه وبينهم نوعاً من المعاملة، وجلوسه معهم ليس فيه دليل على أنه منافق خارج عن هذا الدين.
فلذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ما قاله، فقال صلى الله عليه وسلم: (فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله).
هذا حديث عظيم جداً في معرفة حرمة الإنسان المسلم الذي يقول: لا إله إلا الله، فله حرمة لا ينبغي لأحد أنه يغتابه أو يذمه، فينبغي إحسان الظن، وأنه إذا رئي على شيء يتأول له: يمكن قصده كذا يمكن قصده كذا إلا إن ظهر نفاقه واشتهر به، فهذا أمر آخر.
أما كونه يتعامل مع فلان أو فلان من المنافقين أو الكفار فهذه معاملة في بيع أو شراء، ولكن حبه لله ولرسوله صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: لا تسيئوا الظن إلا بأمارة ظاهرة، وبدليل قوي بين، وإلا فأحسنوا الظن في المسلم.