جاء في صحيح البخاري عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالاً وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله ثم أثنى عليه).
والمعنى: أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم مال فقسمه، ولم يستوعب كل الموجودين، ولكن أعطى أناساً هم أهل حاجة وفقر، وترك آخرين، وأحياناً يعطي أناساً وغيرهم أولى منهم بهذا المال، لكن هؤلاء يمكن أن يفتنوا ويقعوا في الكفر إذا لم يعطهم مالاً.
فيخاف النبي صلى الله عليه وسلم عليهم؛ لأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، فيعطي إنساناً من أجل ألا يقعوا في الكفر ويدخلوا النار بعد ذلك.
فلما عتبوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:(أما بعد: فو الله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي)، أي: ليس معنى أني أعطيت فلاناً أني أحبه أكثر من الآخر، فهذا الذي أعطيته أقل في المحبة من ذاك الذي لم أعطه.
قال:(ولكني إنما أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع)، أي: أراهم خائفين من الفقر، فلو لم أعطهم قد ينقص إيمانهم.
ثم قال:(وأكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير)، أي: أن الذين لم أعطهم قلوبهم مليئة بالخير، فإعطائي إياهم هذا المال لن يزيد فيهم شيئاً؛ فلذلك أكلهم إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب راوي هذا الحديث.
قال عمرو بن تغلب رضي الله عنه:(فو الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم)، يعني: يكفيه أنه شهد له بالإيمان، فهذه الشهادة أغلى من أموال العرب، وهي بهيمة الأنعام من الجمال والنوق الحمراء.
وصدق رضي الله تبارك وتعالى عنه، فإن الدنيا كلها لا تسوى عند الله جناح بعوضة.