[الوصية النبوية بصلة الرحم]
ومن الأحاديث حديث أبي ذر في صحيح مسلم يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط).
ومصر هي البلدة التي كان يذكر فيها القيراط، فأخبرهم وبشرهم بأنه في يوم من الأيام ستفتحون مصر، وكان ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم وإخباره بالشيء الذي يكون فيكون كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
فقال لهم: ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً.
فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر، وكان أهل مصر كفاراً، وكان فيها النصارى وغيرهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا فتحوا مصر بأن يستوصوا بأهلها خيراً، لماذا؟ قال: (فإن لهم ذمة ورحماً) وفي رواية: (فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهليها؛ فإن لهم ذمة ورحماً، أو قال: ذمة وصهراً).
والرحم الذي في مصر هو من قبل هاجر أم إسماعيل، فسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما جاء بامرأته سارة، إلى أرض مصر كان في مصر ملك جبار، فرأى إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ورأى سارة فأعجبته، فسأل إبراهيم: من هذه؟ فقال أختي.
لأنه خاف على نفسه، فلو قال: هي زوجتي لقتله وأخذ سارة، فقال: أختي.
وبعد ذلك ذهب إلى سارة، وقال: إن هذا الكافر سألني عنك فقلت: أختي، وإنه ليس على وجه الأرض مسلم غيري وغيرك.
أي: لا يوجد مؤمن على وجه الأرض إلا أنا وأنت.
فكانت هذه إحدى كذبات إبراهيم الثلاث، وهذه ليست كذبة في الحقيقة، إذ إنه عرض في الكلام، وقصد أنها أخته في الإيمان، وفي الإسلام، وهي زوجته.
ثم إن هذا الرجل أرسل إلى سارة وأخذها وأراد أن يأتيها، فصلت لله ودعت ربها سبحانه فإذا بربها يمنعه منها ويخر مغشياً عليه فيسقط على الأرض لقفاه ثلاث مرات، حتى قال لمن معه: إنما جئتموني بشيطانة.
وأمرها بأن ترجع إلى إبراهيم، وأخدمها هاجر.
فـ هاجر كانت من أرض مصر أعطاها الملك خادمة لـ سارة، وبعد ذلك أخذتها سارة ووهبتها لإبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فصارت أمة لإبراهيم، فلما تغشاها إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه جاء منها إسماعيل النبي على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، فلذلك كانت الرحم الذي بين المصريين وبين إبراهيم على نبينا وعليه والصلاة والسلام سبباً في إسماعيل الذي هو جد النبي صلوات الله وسلامه عليه، فالرحم التي لهم هي كون هاجر أم إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
والصهر هو المصاهرة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مصر عن طريق مارية القبطية التي كانت أمة وأهداها المقوقس للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء منها النبي صلى الله عليه وسلم بولده الذي هو إبراهيم، فصار لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم الرحم والصهر، فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بجميع أهل مصر من أجل امرأتين.
ويلحظ هنا أن مارية ليست بزوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي أم ولد ملكها النبي صلى الله عليه وسلم، كما كانت هاجر أمة ملكها إبراهيم وليست زوجة لإبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام.