[الحث على التقلل من الدنيا ومقت المفاخرة بالكثرة والتكثر]
يقول الله تبارك وتعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[التكاثر:١ - ٤].
كان العرب قد ألهاهم التكاثر، والتكاثر هو المفاخرة بالكثرة في عدد الأفراد، وكانت الأسر والقبائل يفتخر بعضها على بعض لكثرة عدد الرجال، سواء منهم الأحياء أو الأموات، وقد دفعهم الغرور إلى أن يذهبوا إلى المقابر مفاخرين بكثرة الموتى منهم التي تدل بزعمهم على أصالتهم، منتقصين لمن كانوا ذوي عدد قليل من القبائل، كما افتخر بعضهم على بعض بالقوة والمال، مما أدى إلى افتخار القبائل بعضها على بعض، ويؤكد ذلك قول شاعرهم: فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلاباً أي: غض بصرك وانظر إلى الأرض فلا ترفع رأسك؛ لأنك من قبيلة تعد بالقليل وأنتم أذلة.
فجاء الإسلام ليمنع الخلق من ذلك الافتخار الكاذب وجعل ميزان الفخر والرفعة هو التقوى قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣]، والتقوى محلها قلب الإنسان لا مظهره، ولما كانت في قلب الإنسان فإنها تفيض على جوارحه بأفعال ترضي ربه سبحانه وتعالى.
وفي قوله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:١ - ٢]، معنيان: الأول: هو ما ذكرنا.
والمعنى الآخر: هو جعل (حتى) غائية، والمعنى: الافتخار بالدنيا إلى أن غرتكم ومتم وكان ذهابكم إلى القبور من أجل أن تنظروا أن الحياة الدنيا كانت متاع الغرور، فقوله:{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:٢]، أي: حملتم إليها أمواتاً.
وقوله:{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[التكاثر:٣ - ٤]، أي: تعلمون حين تموتون وحين تذهبون إلى الله عز وجل، ولو كنتم الآن تعلمون العلم الحقيقي علم اليقين كأنكم تعاينون ذلك لأيقنتم بتحقق وعد الله ووعيده، قال تعالى:{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر:٥ - ٨].