للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من صفات عباد الرحمن]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب الوقار والسكينة.

قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣].

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً حتى ترى منه لهواته، إنما كان يتبسم) متفق عليه.

باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) متفق عليه].

يذكر الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين باب الوقار والسكينة، ضمن الآداب والأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يتخلق بها.

والوقار أصلها من القر، ويقر الشيء بمعنى: يثبت مكانه، وكأن المقصد أن المؤمن يكون حاله فيه الوقار والسكينة وعدم الرعونة والتهور والاندفاع، فيكون وقوراً في جلوسه وقيامه ومشيه، من غير تكلف أو تصنع أو رياء.

قال الله عز وجل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣].

فذكر الله عز وجل من صفات عباد الرحمن صفات جميلة وجليلة بدأها بأنهم: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:٦٣] أي: بوقار وسكينة، فهم هينون في مشيهم، يتصفون بالوقار والتؤدة والطمأنينة، فليسوا مندفعين، والمقصد أن التواضع من صفاتهم سواء مشوا على الأرض وهم مبطئون، أو مشوا مسرعين، فالإنسان لا يستطيع أن يمشي دائماً بطيئاً في مشيته أو سريعاً، ولكن بحسب حاجته وحاله، فقد يحتاج إلى الشيء فيسرع، وقد يجري من أجله وقد يمشي، ولكن في كل الأحوال لا يوجد فيه أي نوع من الكبر، فعباد الرحمن هينون لينون متواضعون لا يستكبرون على الخلق، ولا يتعالون عليهم، ولا يظهرون قوتهم على الغير، إذا مشى أحدهم في الشارع يمشي بتواضع، فلا يظهر للناس أنه قوي، وأنه ليس أحد مثله.

وأيضاً: ليس المعنى أنه يستذل نفسه حين يمشي فالذي ينظر إليه يقول: إنه مريض لا يستطيع أن يمشي، أو ضعيف في مشيه، فلم يقصد ذلك ربنا سبحانه، إنما يمشي هوناً على الأرض بمعنى: متواضعاً، حتى ولو كان يسرع في مشيته، ولذلك جاء: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي مع أصحابه صلوات الله وسلامه عليه لا يحب أن يكون أحد منهم وراءه عليه الصلاة والسلام ويقول: دعوا ظهري للملائكة)، لا يمشي أحد وراءه صلى الله عليه وسلم، ولكن يمشون بين يديه أو بجواره عليه الصلاة والسلام، وكان إذا مشى يسرع في مشيه، والناظر إليه لا يرى هيئة الإسراع عليه صلى الله عليه وسلم.

الإنسان إذا أسرع يبدو من حركة يديه وأكتافه أنه مسرع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كذلك، وإنما يمشي هوناً عليه الصلاة والسلام، وعليه الوقار والسكينة حتى ولو كان مسرعاً، ولعل البعض من أصحابه يجري ويسرع بجواره وهيأته صلوات الله وسلامه عليه لم تتغير في مشيه.

إذاً: المقصد: أنهم في مشيتهم يمشون بالتؤدة والطمأنينة، وليس فيها ما يدل على غرور أو تكبر، أو رفع الجناح على الخلق.

قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} [الفرقان:٦٣]، فلو أن إنسان جاهلاً أحمق فيه تهور اندفع عليهم فوبخهم بشيء ليسوا أهلاً له، ولم يجيبوه إلا بما هم أهل له.

فردهم عليه: (سلاماً) أي: قولاً سليماً خالياً من العيوب، ليس فيه اندفاع وطيش وتهور، خال من المعاملة بالمثل، وإنما يقولون قولاً يسلمون فيه من هذا الإنسان، أو فيه تسليم منهم عليه، يعني: قول فيه متاركة، فكأنهم يقولون: نحن لسنا سفهاء مثلكم، فيقول: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:٥٥].